القيامة ونتائجها
لم يكن ممكناً أن تنتهي قصة الحب العجيب عند الصليب، وإلا لكان الشر انتصر النصرة النهائية، وكنا نحن أتعس مخلوقات الله. لكن واحداً من أروع فصول الرواية جاء عقب الصلب والدفن، أعني به القيامة. لقد قام المسيح في الصبح المنير!
والقيامة ليست مجرد حادثة تاريخية، ولا حتى حتمية لاهوتية، بل هي حقيقة تعليمية لها أبعادها الروحية. إنها تعني أن الذبيحة قبلت، والكفارة تمت، ومشكلة الخطية سويت، وأننا تبررنا.
لقد كانت آخر كلمة في القسم السابق هي «من قرون بقر الوحش استجب لي». وبقر الوحش، أو ثور البراري، له قرون متشعبة. واعتاد الجلادون أن يقيدوا المذنبين بقرون تلك الوحوش، ثم يطلقونها لتركض بالضحايا جيئة وذهاباً، إلى أن يموتوا. ومن كان بوسعه أن ينقذ من يربط إلى قرون تلك الوحوش الهائجة؟ وهو تصوير لآخر مشوار الألم الرهيب الذي كان على المسيح أن يقاسيه؛ الموت، والهاوية التي صلى المسيح لإلهه في مكان آخر قائلا «لا تطبق الهاوية علىَّ فاها» (مز69: 15).
والقرون دلالة القوة. إذاً قرون بقر الوحش تمثل لنا قوة الموت وقسوة الهاوية، التي لا تدع الفريسة تفلت منها مطلقاً (نش8: 6). لكن نتيجة صلاة المسيح تداخلت قوة أعظم من قوة الموت؛ إنها عمل شدة قوة الله الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات (أف1: 19،20). لقد سُمِع للمسيح من أجل تقواه، وأنقذ من قرون بقر الوحش. لكن الإنقاذ لم يكن بإعفائه من الموت، بل بنصرته على الموت وذلك بقيامته من الأموات، بعد أن ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عب5: 7، 2: 9).
بركات القيامة
عندما مضى المسيح إلى الصليب كان ذلك من أجل السرور الموضوع أمامه، ولأجل هذا السرور احتمل الصليب مستهيناً بالخزي (عب12: 2). وجزء هام من هذا السرور هو أن يرى نسلاً (إش53: 10). إنهم مفديوه المعبر عنهم بالكنز المخفي في حقل، الذين لأجلهم مضى وباع كل ما كان له لكي يقتنيهم (مت13: 44). لهذا فإننا نلاحظ اختلافاً واضحاً بين القسم الثاني من هذا المزمور (ع22-31) الذي نتأمله الآن، وبين القسم الأول الذي انتهينا من التأمل فيه. فبينما نراه في القسم الأول وحيداً أو محاطاً بالأشرار، فإننا لا نراه الآن وحيداً، بل محاطاً بالقديسين وهو في وسطهم.
وفي الرمز؛ في يوم الكفارة، كان يجب أن تخلى خيمة الاجتماع من كل إنسان ولا يكون هناك أحد سوى رئيس الكهنة فقط (لا16: 17). وهو نفس ما حدث في الجلجثة كما يذكر المسيح هنا (ع1،11،19). لكن بمجرد أن قام من الأموات يقول «أخبر باسمك اخوتي وفي وسط الجماعة أسـبحك».
لقد شرب – تبارك اسمه - الكأس وحده، لكننا الآن لن ننفصل عنه مطلقاً. فهو لا يقول "لقد صرخت، والآن جاء الدور لكي أسبح"، بل يقول «في وسط الجماعة أسبحك». فبعد أن سار وحده في طريق العدل وتمشى بمفرده في وسط سبل الحق، فها هو يورث محبيه رزقاً ويملأ خزائنهم (أم8: 20،21).
لكن ليس ذلك فقط، بل ما أكثر البركات المترتبة على قيامة المسيح. إن كل البركات والأمجاد التي نتمتع نحن بها من الآن، والتي ستتمتع بها كل الأرض عن قريب، إنما هي نتيجة هذا العمل الكفاري الذي أتمه المسيح وحده لما كان فوق الصليب.
وفي الأعداد التالية نرى أن لبركات القيامة دوائر ثلاث: فأولاً بعد القيامة مباشرة حضر المسيح إلى تلاميذه، إتماماً للآية 22، وكان هؤلاء هم نواة الكنيسة كما نستدل من عبرانيين2: 12.
وبعدها يذكر إسرائيل في الآيات من 23-26، وهذا أيضاً لابد أن يحدث في وقته المحدد بعد اختطاف الكنيسة.
ثم أخيراً في ع 27-29 لابد أن تصل البركة إلى كل الأرض، حيث تذكر كلمة "كل" 4 مرات، حيث يقول «تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض، وتسجد .. كل قبائل الأمم…سجد كل سميني الأرض.. يجثو كل من ينحدر إلى التراب». إذاً سيملك المسيح على كل الأرض بناء على موته على الصليب، والحمل الذي ذبح لابد أن يستلم صك ملكية العالم بأسره (رؤ5: 9). وعندئذ ستتم كلمات المسيح التي قالها بصدد الصليب «وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىَّ الجميع» (يو12: 32).