متي يستيقظ ؟ وكيف؟ مقال البابا 5-7-2009

متي يستيقظ ؟ وكيف؟

بقلم: البابا شنودة الثالث

5 - 7 - 2009

الإنسان الذي يعيش في الخطية بعيدا عن الله‏,‏ يشبه بانسان مائت‏,‏ او هو في نوم الغفلة يلزمه ان يستيقظ‏,‏ بلا تأجيل ولا تأخير‏,‏ إنه كإنسان مخدر لايدري ماهو فيه‏,‏ إحساسه الروحي معطل‏.‏ فهو لايشعر بحالته‏,‏ أو ماذا يفعل‏,‏ ولاخطورة وجسامة مايفعله علي رأي المثل العامي سرقاه السكين فهو في غفلة كأنه خارج نفسه يحتاج ان يرجع الي نفسه‏..‏ انه في دوامة ينسي فيها روحه‏,‏ وينسي الله‏,‏ وينسي القيم والمثل‏.‏ فهو في غفوة لايشعر بكل هذا‏.‏ وربما يظن انه في ملء اليقظة‏,‏ وإنه يملأ الدنيا نشاطا وحركة‏!‏ بينما بعض الملائكة يسألون‏:‏ إلي متي يستمر هذا الإنسان نائما؟‏!‏ إنه محتاج الي من يوقظه‏,‏ يوقظ ضميره وروحه‏.‏

حقا ان الشيطان حينما يريد ان يوقع شخصا‏,‏ يخدر ضميره اولا‏,‏ او يقوده الي حالة الغفوة والغفلة‏,‏ التي تعطل الحس الروحي‏,‏ فلا يدري ما هو فيه‏.‏
‏
**‏ أريد ان أقدم لكم صورة لحالة الخاطئ في غفلته‏:‏ تصوروا كرة تتدحرج من فوق جبل عال‏:‏ إنها ألقيت من فوق الجبل فأخذت تتدحرج تباعا في اندفاع مستمر من فوق الي اسفل‏.‏ وهي لاتملك ذاتها لتقف‏,‏ إنما هي تتدحرج باستمرار بلا فكر‏,‏ بلا وعي‏,‏ بلا حس‏,‏ بلا ارادة‏..‏ قوة الدفع تجذبها باستمرار الي اسفل‏,‏ خطوة تسلمها الي خطوة‏,‏ ودحرجة تسلمها الي دحرجة‏,‏ بلا هوادة‏.‏ وهي لاتعرف الي اين يقودها كل هذا؟ ولاتشاء ان تقف‏,‏ او لاتستطيع ان تقف‏...‏ ولكن الي متي؟ الي ان يصدمها حجر كبير في انحدارها‏.‏ يعترض طريقها ويوقفها‏.‏ ويقول لها‏:‏ إلي اين انت ذاهبة؟ الي اين تتدحرجين؟ أفيقي الي نفسك‏.‏ استيقظي هذا الانحدار المتتابع يقود الي الضياع فتقف وقد تنظر فتجد أنها هبطت كثيرا عن مستواها السابق‏.‏
‏
**‏ هكذا الخاطيء يحتاج الي إن يستيقظ‏.‏ وان لم يستيقظ‏,‏ فلابد من ان يوقظه غيره وسعيد هو الخاطئ الذي لايكون في نوم‏,‏ وهنا نود ان نسأل ماهي الأسباب التي تؤدي الي الغفلة الروحية؟ وماهي الدوافع التي تدفع الي اليقظة؟ هناك أسباب خارجية تتعلق بالمحاربات والعثرات والبيئة المحيطة والظروف‏.‏ وأسباب داخلية تتعلق بطبيعة الشخص نفسه‏,‏ ونوعية قلبه وتفكيره‏.‏ وبعض هذه الأسباب يزحف الي الانسان بطيئا بطيئا‏,‏ بطريقة لاتكاد تحس بينما البعض قد يهجم في عنف ويحتوي بسرعة‏,‏ فينسي كل شيء إلاه‏.‏

ولعل في مقدمة هذه الاسباب المشغوليات‏,‏ فالمشغوليات طريقة ماكرة من طرق عدو الخير في تحطيم الحياة الروحية‏.‏ وأهم ما في مكرها انها لاتحارب الروحيات‏,‏ إنما لا تعطيها مجالا‏,‏ فننساه‏.‏ مثال ذلك شخص تجده دوما مشغولا لايجد وقتا يجلس فيه الي الله ولا الي الصلاة والقراءة والتأمل والتسبيح او لاي عمل روحي‏.‏ كما لايجد وقتا يجلس فيه الي نفسه ليفحص حالته‏,‏ اين هو ؟ وكيف هو؟ وبالتالي لايجد وقتا لتغيير حالته‏.‏ فهو لايدري ماهي حالته‏!‏
‏
**‏ إن الشيطان حكيم في الشر‏,‏ ويدبر خططه بتعقل‏.‏ فبالنسبة الي بعض الناس قد يكون الاغراء الواضح بالخطية سلاحا مكشوفا لاتقبله ضمائرهم المتيقظة‏,‏ إذن لامانع من ارضائه حاليا ريثما يتم تخدير هذه الضمائر‏.‏ وإذ يري الشيطان ان الناس اذا خلوا الي انفسهم فمن الجائز ان يفكروا في روحياتهم‏.‏ لذلك لابد من مشغولية تعطلهم‏,‏ حتي لو كانت صالحة في ذاتها‏,‏ علي الاقل فإن المشغولية تأخذ كل الوقت فلا يبقي وقت لمراجعة النفس ومحاسبتها وتنقية الضمير من الشوائب‏.‏ كما ان المشغوليات تتلاحق وتتتابع بحيث يبدو انها لاتنتهي‏,‏ وبخاصة في هذا العصر الذي تسوده التكنولوجيا‏.‏ وحتي إن تفرغ البعض من مشغوليات العمل‏,‏ هناك الترفيهات والمسليات لتشغله او مجرد الاحاديث‏.‏ وحتي ان جلس الانسان الي نفسه‏,‏ فقد يقول له الشيطان وانا ايضا سأجلس معك‏.‏ وحتي إن وقفت تصلي سأقف معك لأساعدك وهكذا يذكره بعشرات الموضوعات التي يسرح فيها عقله‏.‏ لان المشغوليات قد استقرت في عقله الباطن تعمل فيه‏.‏
‏
**‏ حقا إنها مأساة‏,‏ فإن العالم كله منشغل عن الله‏...‏ حتي بعض الذين كرسوا انفسهم له‏!‏

فهؤلاء بالكاد يجاهدون لكي يحصلوا علي وقت يقضونه معه‏!‏ وأي وقت ؟‏!‏ إنه وقت تتنازعه افكار العالم واهتماماته‏.‏ وللأسف يكون الله في آخر قائمة الاهتمامات لاشك ان الموضوع يحتاج الي تنظيم وتوفير الوقت‏.‏
‏
**‏ وإن كانت المشغوليات تملك الوقت ولاتعطي فرصة للروحيات‏..‏ فالعاطفة المسيطرة تملك القلب والفكر ايضا بعيدا عن الله فتستحوذ كل اهتمامات الإنسان‏.‏ ومع هذه العاطفة تظل الكرة تتدحرج وهي لاتدري ما هي فيه‏.‏
‏
‏ كذلك يقدم الشيطان مثل هذه العاطفة او المشاعر لكي يلهو من القلب بعيدا عن العمل الروحي‏..‏ ويبحث الله عنك فلا يجدك‏,‏ ويناديك فلا تسمعه‏,‏ لانك مشغول او ومخدر في هذه العاطفة‏.‏ وربما تكون رواية معينة تسيطر علي الإنسان وتملك كل وقته وتحصل علي اهتمامه كهواية لتتبع اخبار الرياضة مثلا او الفن او التمثيل‏.‏ او تسلية من التسليات او قراءة خاصة في الفلسفة او علم النفس‏.‏ او تتبع السياسات واخبار معينة‏..‏ قد تتحول هذه العاطفة التي تشغله الي ثورة لتغيير الأوضاع‏,‏ او مايسميه البعض رغبة في الاصلاح حسب مفهومهم الخاص‏.‏
‏
**‏ ومن العوامل الاخري التي تخدر الضمير‏:‏ البيئة المنحرفة‏..‏ مسكين الإنسان الذي كلما يسير في طريق الله‏,‏ او كلما يستيقظ لنفسه‏,‏ تحاول البيئة بكل جهدها ان ترجعه‏,‏ فينام مثلهم‏.‏ او كلما يحاول ان يستيقظ من غفلته الروحية‏,‏ يمر عليه صديق يضيع كل ما عنده من روحيات وينقله باحاديثه المنحرفة الي جو آخر‏.‏ او يحاول ان يقنعه بكافة السبل بأن يترك ما هو فيه‏.‏ ولكن الشخص القوي لاتجرفه البيئة المنحرفة بل يصمد ويقاومها‏.‏ واحيانا مايكون عقل الانسان جهازا تنفيذيا لرغبات النفس‏.‏

مقالة غاية في الروعة
تعيش لنا يا سيدنا
مرسي يا غادة لتعبك في نقل المقال