البابا شنودة
بقلم د. يحيي الجمل ١/١٠/٢٠٠٧
(جريدة المصري اليوم)
لا أتردد في كل مناسبة أن أعلن عن محبتي وتقديري لهذا الرجل العظيم الذي أعتبره من الضمانات الحقيقية ضد الفتنة والانحراف والتطرف ومن ثم من الضمانات الحقيقية للوحدة بين الشعب المصري.
ويوم الخميس الماضي السابع والعشرين من سبتمبر، كانت مائدة إفطار قداسة البابا. وفي تلك المناسبة يري الإنسان أصدقاء ومعارف ومجموعات عديدة من الناس، وزراء ورؤساء وزراء حاليين وسابقين ورؤساء هيئات نيابية وأعضاء من هذه الهيئات ورجال قضاء وصحفيين، جمع حاشد يندر أن يتكرر مثله في مناسبات إفطار رمضان وهي كثيرة.
وقد بدأ هذا التقليد الطيب منذ واحد وعشرين عاماً - منذ عام ١٩٨٦ - وأذكر أنني شرفت بدعوة قداسة البابا لهذا الإفطار علي مدي هذه السنين الطوال وأذكر أنني لم أتخلف مرة واحدة عن تلبية الدعوة رغم كثرة اعتذاراتي عن دعوات عديدة في شهر رمضان حيث تتزاحم الدعوات.
وترجع علاقتي بقداسة البابا إلي فترة من أكثر فترات القلق في حياة مصر. ترجع إلي أحداث سبتمبر ١٩٨٠ عندما أصدر الرئيس السادات قراراً بتعيين لجنة لإدارة أمور الكنيسة القبطية وأعلن سحب المرسوم، الذي عين بمقتضاه البابا شنودة الثالث بطريركاً للكرازة المرقسية. وهو في حقيقته مرسوم مقرر لنتيجة الانتخاب وليس منشئاً لمركز قانوني، ذلك أن اختيار البابا يتم فعلاً بمجرد إعلان نتيجة الانتخاب وما القرار الجمهوري إلا تقرير لواقع.
عندما حدث ما حدث في سبتمبر الكئيب منذ سبعة وعشرين عاماً واغتيل الرئيس السادات في يوم عرسه - يوم السادس من أكتوبر ١٩٨٠ - وانتقلت الرئاسة إلي نائب رئيس الجمهورية وكان الرئيس السادات قد أصدر مجموعة قرارات باعتقالات وإغلاق صحف وفصل أساتذة وصحفيين استناداً إلي المادة ٦٤ من الدستور، التي يطلق عليها مادة سلطات الضرورة، التي فرض عليها القضاء الإداري المصري رقابته وألغي كثيراً من القرارات الجمهورية الصادرة استناداً إليها.
وبين هذه القضايا كانت قضية مرفوعة من قداسة البابا شنودة طعناً علي قرار رئيس الجمهورية بتنحيته.
وذات يوم زارني أحد كبار رجال الكنيسة من مساعدي قداسة البابا شنودة وسألني سؤالاً واضحاً وصريحاً: هل تقبل أن تكون ضمن هيئة الدفاع عن قداسة البابا؟ وبغير تردد قلت: إن ذلك شرف كبير.
وأراد الله أن تنتهي المشكلة في بداية عهد الرئيس مبارك. ومن أجل التاريخ فقد أسهم في حلها المرحوم حسن أبوباشا وزير الداخلية آنذاك، وقد قلت في وصف حسن أبوباشا إنه كان من أهم العوامل التي خففت الاحتقان والتوتر، الذي كان سائداً في بداية عهد الرئيس مبارك، نتيجة لقرارات سبتمبر التي أصدرها الرئيس السادات رحمه الله.
ومنذ تلك الأيام القاسية لم تنقطع علاقتي مع قداسة البابا وكنت أحس عندما ألقاه بالحنو والمحبة والعطف، وكنت أحس قبل ذلك كله وبعد ذلك كله بقلب كبير عامر بحب مصر.
وثبتت في وجداني العبارة التي قالها ذات مرة قداسته في واحدة من خطبه البليغة: «إن مصر ليست بلداً نعيش فيه وإنما مصر بلد يعيش فينا».
ما أعمق هذه العبارة وما أبلغ دلالتها علي الارتباط العميق بين الرجل والوطن.
والأمر ليس أمر كلمات أو عبارات فقط وإنما كل تصرفات قداسة البابا خاصة في أوقات المحن والأزمات وعندما تطل بعض الأزمات برؤوسها تنطق بوطنيته وحرصه علي مصر ووحدة شعبها وإيمانه العميق بهذه الوحدة واتساع فكره وعمقه.
وفي مأدبة الأمس القريب قال البابا شعراً من شعره في حب مصر، ولم أستطع بطبيعة الحال أن التقط ذلك الشعر وأحفظه رغم رقته وانبهاري به ولكن استطعت أن التقط الشطر الأخير من البيت الأخير الذي يقول فيه قداسته:
بحبك يا مصر قلبي ارتوي
وسأحاول أن أحصل علي بقية أبيات القصيدة وأرجو أن يحدث ذلك قبل أن انتهي من كتابة هذا المقال لكي أثبتها - لشدة حلاوتها ورقتها وتعبيرها - في آخر هذا المقال الذي أكتبه عن قداسة البابا متمنياً له الشفاء الكامل.
إن قداسة البابا شنودة الثالث من الرجال القلائل الصادقين والباقين علي حب مصر. وأنا واثق أن مصر وشعبها كله يبادله حباً بحب.
تري مَنْ مِنْ المسؤولين المصريين يستطيع أن يقول صادقاً:
بحبك يا مصر قلبي ارتوي
أظن أنهم جد قليلين.