دروس من حياة لوط
"فجاء الملاكان إلى سدوم مساءً وكان لوط جالساً في باب سدوم"
(تك 19: 1 )
ماذا اختار لوط لما فوَّض له أبرام أمر الاختيار لنفسه أولاً؟ اختار سدوم وهو المكان الذي كان الله مزمعاً أن يرسل نار غضبه إليه. ولماذا وقع اختياره على تلك الدائرة؟ ذلك لأنه حكم بالظواهر، ولم يمد بصره إلى المستقبل. فهو لم يتأمل في شر أهل سدوم الذين كانوا "خطاة لدى الرب جداً" ولا ذكر نهايتهم ودينونة الله التي كانت مُزمعة أن تقع عليهم "بنار وكبريت من السماء". قد يقول البعض إن لوطاً لم يكن يعرف شيئاً من ذلك؛ فنقول ربما ولا أبرام أيضاً؛ ولكن الله كان يعلم، ولو كان لوط ترك لله أمر الاختيار ما كان ليختار له نصيباً في دائرة كان هو مزمعاً أن يهلكها، ولكن لوطاً لم يفعل ذلك، بل حكم لنفسه، فأعجبته سدوم وإن كانت لم تعجب الله. "ولوط ... نقل خيامه إلى سدوم". وهذا هو اختيار الإنسان الطبيعي، ولهذا السبب عينه ترك لوط أبرام، ترك موضع الشهادة وسكن في مكان الدينونة.
من الوقت الذي حدث فيه الانفصال بين إبراهيم ولوط، يظهر ابراهيم متقدماً "من قوة إلى قوة"، بينما الآخر، على العكس، يظهر أنه يتقدم فقط إلى أسفل من درجة ضعف إلى أخرى، حتى نجده في النهاية قد فقد كل شيء ونجا فقط بحياته.
سبق أن فقد كل أمتعته في الحرب بين "الأربعة ملوك والخمسة"، ولكن لا يظهر بأن هذا كان له أي تأثير على فكر لوط في سبيل تعليمه شر الاختلاط مع العالم، بل يظهر أنه أصبح متغلغلاً في العالمية بعد تلك الحادثة أكثر من ذي قبل، لأنه أولاً نقل خيامه إلى سدوم (تك 13: 12 ) ، ولكننا نجده الآن جالساً في الباب (تك 13: 12 ) ، وهو كما نعلم كان إذ ذاك مكان الإكرام. وفى هذا الإصحاح لا نجد أن الرب يُظهر نفسه للوط، ولكنه يبقى على بُعد من المكان الدنس، ويرسل فقط ملائكته لينقذوا لوطاً من وسط الانقلاب. والملاكان أيضاً كانا يُظهران كل تباعد واغتراب، فهم يرفضون أن يذهبوا إلى بيت لوط عندما يدعوهم، قائلين "لا بل في الساحة نبيت".
وهذا المشهد المؤسف لهو عكس مشهد الإصحاح السابق (تك18) الذي نرى فيه خليل الله يتمتع بإظهار الرب له ذاته. ويقف أمام الرب الوقوف الصحيح متشفعاً في أخيه المغلوب المعذب! ويذكر الله إبراهيم ويرسل لوطاً من وسط الانقلاب (تك 19: 29 ) .
يا ليتنا إذاً نتعلم من حياة لوط أن "لا نكون نحن مُشتهين شروراً" (1كو 10: 6 ) ولو أنه "يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة" غير أنه من واجبنا أن نبتعد عن طريق التجربة بقدر ما نستطيع، وأن تكون صلاتنا على الدوام "لا تُدخلنا في تجربة