Ghada فنانـــــة المنتــــدى
عدد الرسائل : 16804 تاريخ التسجيل : 21/04/2007
| موضوع: أعماق حول الفضيلة . مقال 11-10-2009 الأحد 11 أكتوبر 2009 - 4:09 | |
| أعماق حول الفضيلة
بقلم: البابا شنودة الثالث
11 - 10 - 2009 الفضيلة ليست مجرد عمل الخير, إنما هي بالأكثر محبة الخير. ذلك لأن بعض الناس يعملون الخير خوفا من العقوبة, أو من أجل اكتساب السمعة الطيبة, أو تجنبا لانتقادات الناس أو البعض يعملون الخير حبا في المديح, أو رغبة في نوال المكافأة, أو مجاراة لجو معين.. ولكن كل ذلك لايدل علي فضيلة حقيقية... أما الفضيلة الحقيقية فهي في حب الخير حتي إن لم يكن متاحا عمل هذا الخير لأسباب خارجة عن الإرادة, وهنا تعبير مجرد النية الطيبة فضيلة. فإن توافرت الإمكانية مع النية, حينئذ يكتمل الخير. لأن النية وحدها لاتفيد الآخرين. أما العمل فهو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة.
والذي يعمل الفضيلة يود أن ينمو فيها, وأن يستمر في النمو حتي يصل الي الكمال الممكن له كإنسان.
وهناك اتجاهان للفضيلة: الاتجاه السلبي وهو مقاومة الخطية ورفضها. والاتجاه الايجابي وهو السلوك الطيب في عمل الخير. فلا يكفي مثلا انك لاتكره إنسانا, إنما يجب ان تحبه وتحب الكل. ولايكفي فقط انك لاتتلفظ بكلمة شريرة, إنما من الناحية الايجابية عليك ان تقول كلاما للبنيان ينفع الآخرين. وأيضا ليست الفضيلة هي فقط إنك لاتضر الناس, بل هي بالأكثر ان تعينهم وتتعب لأجلهم. وللفضيلة مستويات: منها المستوي الجسدي, والمستوي النفسي, والمستوي الروحي. وعلي الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوي
ويحترس من السقوط في غيره. ولأنه من المعروف ان الحواس هي أبواب الفكر. فما تراه وماتسمعه وماتلمسه قد يجلب لك أفكارا, إذن لكي تحفظ فكرك, احفظ حواسك. وإن اخطأت بالحواس, لاتجعل الخطأ يتطور بك إلي فكرك. وإن وصل الي الفكر, اطرده بسرعة, ولاتجعله يتحول الي مشاعر في قلبك. وإن تحول إلي مشاعر, لا تجعله يتطور الي الفعل بأن تخطئ الارادة ايضا. وأعلم ان جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض.. فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر. وخطأ الفكر يسبب مشاعر القلب. وربما الاثنان يدفعان الي العمل... إنها دائرة, أية نقطة تدور فيها توصل الي باقي النقاط. وكما في الشر كذلك في الخير تتعاون المستويات معا.
واعلم أيضا أن الفضيلة لها مستويان آخران: في الداخل وفي الخارج. في الداخل في القلب والروح والفكر. وفي الخارج في الجسد والممارسة. فمحبة الناس فضيلة في القلب. ولكن لابد ان تتحول إلي عمل محبة في الخارج. لأنه لايصح فقط ان نحب بالكلام او باللسان. إنما بالعمل والحق. وهنا تظهر المحبة التي فيها عطاء وبذل وتضحية. ذلك لأن فضيلتك التي في فكرك لا يشعر بها احد, فيجب ان تعبر عنها بعملك, ومحبتك لابنك التي في داخل قلبك, لابد ان تعبر عنها بالحنو والاهتمام والعطايا. والله تبارك اسمه يعبر عن محبته لنا برعايته وعنايته وحفظه لنا.وأنت كإنسان, لايجوز لك ان تقول محبة الله في قلبي, انما ينبغي ان تعبر عن هذا بطاعتك لله وحفظك لوصاياه. ولاتكتف بأن لك إيمانا بالله بدون اعمال طيبة. لان الايمان بدون اعمال ميت.
في الصلاة مثلا: خشوع القلب من الداخل, نعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج. وهكذا نجد في الصلاة: الوقوف والركوع والسجود, ورفع الايدي والنظر الي فوق. ولايصح ان تهمل خشوع الجسد قائلا في ذلك: إن الله إله قلوب, ويكفي ان قلبي مع الله!! مثال ذلك من يصلي علي المائدة وهو جالس!.... إن المشاعر الداخلية, تحتاج إلي التعبير الخارجي فيشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل ومن الداخل معا.
إن مايجري في عروقك من مشاعر, ينبغي ان يكون له ثمر في الخارج. إن حياة الشجرة في داخلها يعبر عن وجودها في الخارج الخضرة والزهر والثمر.ولا أحد يقبل الشجرة غير المثمرة. كذلك نريد للفضيلة ان تكون مثمرة. وهي تثمر بالعمل الطيب, وبالكلمة الطيبة, وبالسلوك الحسن, وبالنور الذي يضئ للآخرين, وبالمحبة العملية. الفضائل أيضا تتكامل معا ولاتتعارض. وإن سلكت في فضيلة ما, فلابد انها ستقودك الي فضائل أخري كثيرة. وإن فقدت إحدي الفضائل, فما اسهل ان يجرك هذا السقوط الي ترك فضائل اخري عديدة.. إنها سلسلة مترابطة. إن انفك عقد واحدة منها, انفرط الباقي.
ومن الصعب ان نتكلم عن اهتمام الانسان بفضيلة واحدة فقط وتركه للباقي. فمحبتك لابنك مثلا, ينبغي ألا تنفصل عن تربيتك لابنك. وينبغي ألا تنفصل عن الحكمة في هذه التربية. والحكمة ترتبط أيضا بالمعرفة. واهتمامك بجسد ابنك وصحته لايمنعك من الاهتمام بعقله وثقافته وأيضا لا ينفصل هذا عن الاهتمام بروحيات ابنك وأبديته. وهكذا مع باقي الفضائل.
كوني احب الناس هذا حسن جدا. ولكن ليست محبتي لهم معناها مجاملتهم في كل شيء ولو علي حساب الحق! فالمفروض انني احب الله, واحب الناس في نفس الوقت. وليس الحب معناه مجرد العطف الجسدي أو المادي فقط, وإنما معناها أولا الحب الروحي. ورب الأسرة عليه ان يحب أسرته كلها ولكن ليس معني هذا ان يعطف عليها عطفا يجعلها تخطئ وتستمر في الخطأ ولاتخاف!
إن محبة الناس لله يجب ان ترتبط ايضا بمخافته, أي بمهابته.
إن الحياة الروحية ليست مجرد فضيلة معينة يركز عليها الانسان بحيث يهمل باقي الفضائل..! إنما هي حياة تشمل كل شيء. وكتاب الله ليس هو مجرد وصية واحدة أو آية واحدة, انما هو كتاب يتحدث عن الخير كله, وعن البر كله. وينبغي ان نهتم بكل مافيه من وصايا, لكي نحيا حياة لانقص فيها. لانه ربما نقص فضيلة واحدة قد يضيع حياة الانسان كلها. مثال ذلك إنسان يحرص علي السلوك الطيب في كل شيء وتنقصه فقط فضيلة الاتضاع, ويقع بذلك في الكبرياء. وتهلكه هذه الخطية وحدها.علي أن هذا الموضوع يحتاج الي التحدث عن تفاصيل كثيرة, ليس وقتها الآن...
| |
|