تـــــــابع
الإنسان البشوش إن لم يجد حلا لمشكلته. يتركها إلي الله. وينساها بين يديه الألهيتين.
أما الكئيب فلا يستطيع أن ينسي مشكلته. إنها قائمة دائما أمام عينيه. تتعبه وتزعجه. وكلما فكر فيها. أرهقت أعصابه. وأتعبت نفسيته. وربما يعرض نفسه علي أطباء نفسانيين. فيعطونه منوما لكي ينام. ولا يعود يفكر في مشكلته. أو قد يعطونه مهدئات ومسكنات. لكي تستريح أعصابه. وكلها علاجات من الخارج. بينما الداخل في تعب.
حسنا ان البشوش يعطي فرصة لنفسه. يعمل فيها الله.. إن اتعبته مشكلة. وعجز تفكيره عن حلها. يصلي. واثقا أن الله يتدخل ويعمل علي ايجاد حل. وما دام الله سيتدخل. ويصبح الأمر في يديه. إذن فلا داعي للقلق والاضطراب.
البشوش يجعل الله بينه وبين المشكلة. فتختفي المشكلة وراء الله.
أما الكئيب فيضع المشكلة بينه وبين الله. فلا يري الله وهو يعمل!
ايضا البشوش لا يعطي للمتاعب وزنا أكثر من وزنها الطبيعي.
***
كثير من الأمور يأخذها ببساطة. فلا تتعقد أمامه.
وبطبيعة نفسه لا يتضايق إلا من الأمور التي هي فوق طاقة الاحتمال. وأتذكر أنني قلت مرة في هذا المجال:
لقد سميت الضيقة ضيقة. لأن القلب قد ضاق عن احتمالها.
أما القلب الواسع. فإنه لا يضيق أمام كل مشكلة. بل يتسع لها ويستوعبها فيحتملها. ولا تفقده بشاشته.
إن قطعة من الطين يمكنها أن تعكر كوبا من الماء أو اناء منزليا ولكنها لا تستطيع أن تعكر البحر أو النهر. الذي يتقبلها ويفرشها في اعماقه. ويقدم لك ماء رائقا.
إذن العيب هو فينا أولا: هل قلوبنا متسعة أم ضيقة؟
الانسان البشوش له قلب واسع. لذلك فهو لا يتضايق لأي سبب. ولا يفقد بشاشته بسبب ما يسميه غيره ضيقة.
***
كذلك قد يفقد الانسان بشاشته. بسبب عدم الاكتفاء
أقصد عدم الاكتفاء بما عنده والتطلع باستمرار إلي طموحات عالية ربما لا تكون سهلة المنال. أو ربما إذا وصل إلي بعضها لا يكتفي وإنما يطلب المزيد. فإن لم ينله يحزن ويكتئب.
من أجل هذا. فالإنسان القنوع الراضي بما قسم الله له. يكون دائما بشوشا سعيدا. شاكرا لله علي ما هو فيه.
عكس ذلك. الطامع في منصب كبير. أو في مستوي مالي مرتفع. قد يفقد روح الفرح أو البشاشة. لأن آماله في العلو أو الترقي لم تتحقق. أو وجد له منافسين نالوا ما كان يود أن يناله هو.
ما أعجب أن كبار الأغنياء قد لا يحيون في البشاشة التي يعيشها عامة الناس. ذلك لأنهم مهما ازداد غناهم. يريدون ما هو اكثر واكثر.. وقد لا يتحقق ذلك. فيفقدون البشاشة.
وقد يتحقق كل ما يريدونه من غني. ولكن ذلك يستلزم ضرائب أو مستحقات معينة للدولة لا يحبون أن يدفعوها. فيكتئبون. أو يلجأون إلي التهرب الضريبي. فيدخلون في قضايا ويتعرضون لأحكام تصدر ضدهم. وفي كل ذلك يفقدون البشاشة علي الرغم من الغني المتزايد.
***
أخيرا. في موضوع البشاشة. أراني مضطرا إلي طرق موضوع ديني:
يري البعض أن رجال الدين أو المتدينين عموما يجب أن يتصفوا بالجدية. أو بنوع من الجدية يأخذ مظهر التزمت وقد يقودهم هذا إلي لون من العبوسة. بحيث يعتبرون المرح أو البشاشة حراما.
فهم يربطون بين الجدية والعبوسة. وبين الضحك والخطيئة! وكأن الذي لا يكون عابسا. فبالضرورة يكون عابثا! أو علي الأقل يكون ساهيا عن نفسه. وغافلا عن أبديته! وناسيا لخطاياه. وبعيدا عن حياة التوبة وعن النمو الروحي
وهذا التزمت له خطورته. لأنهم به يخيفون الناس من التدين! أو هم يقدمون للناس صورة من التدين غير السليم!
فلماذا لا يكون الانسان متدينا. وفرحا وبشوشا في نفس الوقت؟
وهل معني التدين أن ينفصل الانسان عن الحياة الاجتماعية وما فيها من مرح وبهجة؟! وهل إذا ضحك المتدين. يبكته ضميره علي ذلك؟! ويري أنه قد هبط درجة في الحياة الروحية؟!
وهل الحفلات التي تتميز بالفرح تكون في مستوي هابط. مهما كان ذلك الفرح بريئا. لا تكسر فيها وصية واحدة من وصايا الله!!
وإن استطاع الكبار أن يضبطوا انفسهم من جهة اللهو والمزاح والضحك والفكاهة. فهل يستطيع ذلك الاطفال؟! بينما هو مستحيل لأن الطفل يحب أن يضحك. وإن منعناه عن الضحك ينشأ مريضا نفسيا.
أم اننا نسمح له بكل ذلك في طفولته. ونمنعه عن كل ذلك كلما يكبر. كأن مقاييس الخير أو الشر قد تغيرت تماما!
***
إن الله خلق الانسان لكي يكون سعيدا. وأسكنه في جنة.. وفي الأبدية سنكون في نعيم وفرح. فهل في الفرح خطيئة؟!
كلا. بلا شك. وإلا كره الناس التدين.
بل علي العكس. إذا رأوا المتدينين فرحين. تكسو وجوههم البشاشة. يتشجعون علي أن يحيوا حياة متدينة. بل يفرحون في تدينهم. إذ أن الله قد قادهم إلي حياة الفضيلة. وسهل طريقها أمامهم. ويفرحون إذ صارت لهم علاقة طيبة مع الله. وأصبحوا يجمعون بين التدين والبشاشة.
***
المشكلة إذن في الحالتين هي في التطرف
بمعني أن يتطرف الانسان في تدينه. فلا يضحك. ويظل عابسا.. أو يتطرف الانسان في ضحكه. فيخلط الضحك بالاستهزاء أو بالفكاهات الرديئة. أو بدلا من أن يضحك مع الناس. يضحك علي الناس. أو يحاول أن يضحكهم بما يخدش ضمائرهم.
أما البشاشة فهي وضع متوسط. يجب أن يتصف به حتي رجال الدين. فيشعر الناس أن الدين هو حياة فرح. فرح بالله وبالفضيلة