mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: الصوم شروطه و فوائده للبابا شنودة الثلاثاء 20 نوفمبر 2007 - 15:10 | |
| أحب أن أحدثكم عن الصوم بمعناه الحقيقى أو بمفهومه الروحى، وعن شروطه وما يجب أن تلتصق به من الفضائل، وكيف يكون بهذا مفيداً للأفراد وللجماعة...** والصوم معروف فى جميع الأديان، حتى فى البوذية والهندوسية والكنفوشيوسية، وعند اليوجا باسلوب أعمق فى وسيلة لقهر الجسد لكى تأخذ الروح مجالها. وفى حياة المهاتما غاندى الزعيم الروحى للهند، نرى أن الصوم كان من أبرز الممارسات الواضحة فى حياته، وكثيراً ما كان يواجه به المشاكل...** ويخطئ من يظن أن الصوم هو مجرد فضيلة للجسد، أو أنه مجرد علاقة الانسان بالطعام وموعده. فالصوم فى حقيقته هو عمل للروح فى تساميها عن المادة والطعام، ويعبر الجسد عن رغبة الروح بالصوم. الصوم إذن هو حالة روح زاهدة تُشرك الجسد معها فى الزهد. وهكذا لا يكون الصوم هو الجسد الجائع، بل بالحرى هو الجسد الزاهد. فليس الصوم هو جوع الجسد، بل هو تسامى الجسد، ومعه طهارة الجسد. ليس هو حالة الجسد الذى يجوع ويشتهى أن يأكل. بل الجسد الذى يسمو – ولو الى حين – عن شهوة الأكل!.** الصوم هو فترة ترتفع فيها الروح، وتجذب الجسد معها، لكى تخلصه من أحماله وأثقاله، ومن شهواته المادية، وتجذبه معها الى فوق. فيعمل معها العمل الروحى بلا عائق. اذن الصوم هو فترة روحية يقضيها الجسد والروح معاً فى عمل واحد هو عمل الروح! حيث يصلى الانسان ليس فقط بجسد صائم، إنما بالأكثر بنفس صائمة: بفكر صائم عن الرغبات الخاطئة، وبقلب صائم عن الشهوات الرديئة، وبروح صائمة عن محبة الماديات. اذن هى فترة صالحة للإقتراب إلى الله أكثر من باقى الأيام.** الصوم إذن فترة مقدسة، تشعر فيها بمتعة روحية، وترى أن صلتك بالله قد زادت وتعمقت. إنها ليست أياماً عادية، بل هى أيام لها طابع مثالى غير عادى يتميز بالتدرب على النمو الروحى.** لهذا كله، ينبغى أن نتأكد أن الصوم قد غيّر الكثير فى حياتك الى ماهو أفضل. فهل أنت يا أخى العزيز تدرك أن الصوم قد غيّر فيك شيئاً؟ أم تمر عليك أصوام خلال سنوات وسنوات، وأنت كما أنت، بنفس الصفات والضعفات؟!.** إن أردت التغيير فى حياتك فضع أمامك الفضائل التى ينبغى أن ترتبط بالصوم، حتى تستفيد روحياً من صومك!الصوم لابد أن تصحبه التوبة، بحيث يبعد الصائم عن الخطية، ويحرص على أن يكون فكره مقدساً، وقلبه مقدساً، وجسده أيضاً يكون طاهراً. بحيث أنه كما يصوم الجسد عن الطعام، يصوم أيضاً عن كل شهوة خاطئة، وكل الملاذ المحرمة.** واعلم انه بدون التوبة، يرفض الله صومك ولا يقبله. وبهذا تكون لا ربحت سماءً ولا أرضاً. وتكون قد منعت جسدك عن الطعام بلا فائدة وبلا أجر سماوى. فإن أردت أن يقبل الله صومك، راجع نفسك، واعرف ماهى خطاياك وأرجع عنها وتب. وبهذا تُصلح ذاتك وتصطلح مع الله فى صومك. وإن أبطلت الخطية خلال أيام الصوم، فاستمر فى إبطالها بعده. فالتوبة ليست قاصرة على فترة الصوم فقط. إنما بالتدرب عليها اثناء الصوم، تتعود عليها فيتنقى قلبك، وتحتفظ بهذا النقاء كمنهج حياة.** وإذ تتوب فى الصوم، اعدد نفسك للجهاد ضد الشيطان. ذلك أن الشيطان إذ يرى صومك وتوبتك، يحسد عملك الروحى ليفقدك ثمرة برك. وهكذا قد يقدم لك اثناء أيام الصوم اغراءات جديدة لم تكن متاحة قبلاً، وحيلاً عديدة يلتمس بها إسقاطك! فاحترس وقاوم كل ذلك. وإن رأيت الصوم فترة حروب روحية من عدو الخير، إجعلها أنت فترة انتصار روحى على كل الإغراءات.** والصوم كما تصحبه التوبة، تصحبه أيضاً الصلاة والعبادة. فليس الصوم هو الإكتفاء بمنع الجسد عن الطعام، فهذه ناحية سلبية. أما الناحية الايجابية فهى إعطاء الروح غذاءها. فالجسد يصوم، والروح تتغذى بالصلاة والترتيل والألحان والتسابيح، وبالقراءات الروحية والتأمل الروحى. واعلم ان صلاة روحية تصليها وأنت صائم وضعيف فى جسدك، هى أعمق من عشرات الصلوات التى تصدر منك وجسدك مملوء بالطعام وصوتك يهز الجبل!** ولتكن صلواتك فى الصوم هى من أعماق قلبك وبكل مشاعرك. ولا تحاول أن تريح ضميرك بمجموعة من التلاوات لا عمق فيها، ولا هى خارجة من قلبك. وأعلم أن الصلاة – من واقع اسمها - هى صلة... صلة قلب بالهه.** فهل فترة صومك متصلة بالله؟ أم أن فكرك منشغل بأمور كثيرة، ووقتك لا ينال منه الله شيئاً، تشغله باللهو أحياناً وبألوان من المتع العالمية؟! وهل صلواتك وقراءاتك الروحية أثناء الصوم هى أكثر مما فى باقى الأيام؟ وهل تجد فى الصلاة متعة روحية؟.** الصوم أيضاً لابد أن يصحبه ضبط النفس. لذلك احرص على أن تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة، سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشيطان. إمسك اذن زمام ارادتك فى يدك.** فى الصوم قد يشتهى جسدك أن يأكل فتمنعه، وتنجح فى منعه. استخدم هذه الارادة فى منع كل رغبة بطالة، وكل عادة رديّة، وكل تصرف خاطئ، وكل شهوة للجسد. أما الذى يملك ارادته فى الامتناع عن الطعام، وينغلب مع باقى شهواته، فماذا تراه قد استفاد من صومه؟!** الصوم أيضاً تصحبه الصدقة والإحسان على الفقراء والمحتاجين. فالذى يشعر فى الصوم بالجوع، يشفق على الجياع ويطعمهم. ولا يستطيع أن يأكل، إن شعر أن غيره لا يجد ما يأكله.وهكذا يعمل الكثيرون فى الصوم على إقامة موائد للفقراء. على أن الأمر لا يصح أن يقتصر على تقديم الطعام، إنما يحسن أيضاً الاهتمام بهذا الفقراء لكى يستطيعوا أن يعيّدوا حينما يأتى بالعيد. وذلك بأن تقدم لهم الملابس والمصروفات...** الصوم عن الطعام، يحسن أن يصحبه أيضاً صوم اللسان، وصوم القلب والحواس. وقد قال أحد الآباء "صوم اللسان خير من صوم الفم. وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الاثنين" أى خير من صوم اللسان والفم كليهما.** فهل لسانك صائم عن كل كلمة رديئة؟ وإن كنت كاتباً، هل قلمك صائم عن كل خطأ فى الكتابة؟ ولاشك أن القلب الصائم عن الخطية يستطيع أن يصوّم حواسه عن الخطأ بالنظر أو بالسمع وما الى ذلك. ويستطيع أن يصوّم لسانه عن كل الكلام الشرير، لأن الكلام بلاشك صادر عما فى داخل القلب.** والذى يريد أن يستفيد من صومه، تنفعه جداً التداريب الروحية لتكون مصاحبة لصومه. فيدرب نفسه على ترك كل نقاط ضعفاته. كما يدربها على اقتناء ما ينقصه من الفضائل. فإن نجح فى هذا التدريب، يكون قد خرج من الصوم بفوائد لا تُحصى. | |
|