mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: هل أنت اثنان أم واحد؟! الأحد 26 سبتمبر 2010 - 19:37 | |
| حياة الفضيلة والبر(16) هل أنت اثنان أم واحد؟! حياة البر هي البعد عن الاثنينية بقلم البابا شنودة وطني 26-9-2010
عندما خلق الله الإنسان, خلقه بارا قديسا بسيطا,لايعرف سوي الخير فقط.ولما سقط الإنسان في الخطية,وأكل من شجرة معرفة الخير والشر,بدأ يعرف الشر إلي جوار الخير. وفقد بساطته, وعرف أنه عريان, واستحي من عريه وتغطي. ومن ذلك الحين, وقع الإنسان بين شقي الرحي, أعني الخير والشر, ودخل في الصراع الداخلي بين الخير والشر, الحلال والحرام ما يليق ومالا يليق.... الصراع عاش الإنسان في صراع الاثنينية. أمامه الاثنان:أيهما يختار؟ وكما قال له الله في سفر الشريعةانظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير, والموت والشر...قد جعلت قدامك الحياة والموت, البركة واللعنة, فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك(تث30:15, 19). وأول صراع عاشه الإنسان:هو الصراع بين الروح والجسد وفي ذلك قال القديس بولس الرسولاسلكوا بالروح,فلا تكملوا شهوة الجسد. لأن الجسد يشتهي ضد الروح, والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر...(غل5:16, 17). ويقول في هذا الصراع الروحيفإني أعلم أنه ليس ساكنا في, أي في جسدي, شئ صالح...لأني لست أفعل الصالح الذي أريده, بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده, فإياه أفعل, فلست أنا بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة في....(رو7:18-20). ويكمل الرسول كلامه عن هذا الصراع فيقول: أري ناموسا آخر في أعضائي يحارب ناموسي ذهني, ويسبيني إلي ناموس الخطية (رو7:23). وبهذا يكون الإنسان قد تحول إلي اثنين يتصارعان معا. وكما قال أحد الأدباء الروحيينكنت أصارع نفسي وأجاهد, حتي كأنني اثنان في واحد:هذا يدفعني, وذاك يمنعني...إنه صراع داخلي. صراع سببه معرفة الخطية, ثم محبة الخطية وقد يكون أحيانا صراعا بين الشهوة والضمير. وهو صراع في هذا العالم فقط, الذي نوجد فيه بالجسد, ونحاط بالمادة, ونعرف الخطية.أما في العالم الآخر, في الأبدية السعيدة, فسوف نعود إلي بساطتنا, ولا نعرف سوي الخير فقط. وتنزع منا تماما معرفة الخطية.ولا يوجد صراع بين الروح والجسد, لأننا في القيامة العامة سنقوم بأجساد روحانية. ولانلبس بعد أجسادا ترابية. بل سماويةلأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت(1كو15:44-53) أما علي الأرض, فلايزال صراع الإنسان قائما. إنه صراع مع نفسه, حتي يصل إلي ضبط النفس صراع مع رغائبه ومع أفكاره, ومع حراسه. وينتهي الصراع حينما يصير الإنسان واحدا, وليس جبهات داخلية تقاوم إحداهما الأخري. وعلي رأي مار إسحقإذا اصطلح داخلك العقل والجسد والروح, حينئذ تصطلح معك السماء والأرض... ولكن الصراع الداخلي هو مرحلة للمبتدئين, أو للذين لم يتحرروا بعد من الداخل. فإن تحرروا, يكون منهجهم هو النمو في النعمة, وليس الصراع بين الخير والشر... بالإضافة إلي الصراع في حالة الاثنينية, يوجد أيضا: الخوف مادام الإنسان لم يتحرر من شهوات العالم والجسد, فلابد أن يقع في الخوف. إنه يشتهي, ويخاف أن شهوته لاتتحقق. فإن تحققت يخاف إنها لا تستمر. فإن استمرت قد يخاف من نتائجها. وفي حالة الخطية, يخاف أن تنكشف, يخاف من العقوبة ومن الفضيحة. وإن استيقظ ضميره, يخاف من غضب الله, بل قد يخاف من كيفية الاعتراف بخطئه. وإن ترك الخطية. قد يخاف من إمكانية عودته إليها....! إن حالة الاثنينية ترتبط دائما بالخوف, كما ترتبط بالشهوة لذلك لما تخلص منها القديس أوغسطينوس, قال عبارته المشهورة: جلست علي قمة العالم,حينما أحسست في نفسي: أنني لا أشتهي شيئا, وأخاف شيئا الخوف مرتبط دائما بالشهوة وبالخطية.ونقصد هذا المعني للخوف, وليس الخوف الصبياني من الظلام والأرواح...فالإنسان الروحي لايخاف أبدا. إنه يشعر بوجود الله معه يحميه ويخلصه ويقويه. لا يخاف الموت, لأنه يعرف أن الموت يوصله إلي حياة أفضل. أما الخاطئ فيخاف, لأنه لا يضمن حياته بعد الموت...إذا صار الإنسان واحدا, يتحد هذا الواحد بالعشرة مع الله وملائكته, أما إن كان بعيدا عن هذه العشرة فإنه يخاف... ولعل الخوف بهذا المعني, هو الذي وضعه القديس يوحنا الرائي في المقدمة حينما تحدث عن الهالكين! فقالوأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة, فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت(رو21:8) مادام هناك خوف, إذن لابد من وجود خطأ في الداخل. الثلاثة فتية لم يخافوا من أتون النار, ولادانيال خاف من جب الأسود. ولا الشهداء خافوا من الموت أو التعذيب. لأن كلا منهم كان واحدا, يشتاق إلي الله.ولم يكن أحدهم إنسانين:أحدهما يحب الله, والثاني يخاف الموت!! الاثنينية تقود إلي الصراع, والخوف, وإلي أخطاء كثيرة: أخطاء كثيرة الاثنينية تقود إلي الرياء: فالإنسان هنا اثنان:أمام نفسه شئ, وأمام الناس شئ أخر...أمام الناس يلبس ملابس الأبرار والقديسين, وأمام نفسه قد يكون عكس ذلك تماما...حينما يكون وحده قد يسلك بإهمال أو بخطأ أو بما لا يليق. وأمام الناس ربما يحرص علي أن يكون محترسا مدققا في تصرفاته. وبالاثنينية يكون إنسانه الداخلي غير إنسانه الخارجي ربما تكون كل أفكاره ومشاعره ونياته, غير ما يظهر للناس أو أن الناس- بسلوكه أمامهم- محال أن يظنوا أن له أفكارا بحسب واقعه! حقا لو كشف الله أفكارنا ومشاعرنا, كم تكون دهشة الناس. وكم يكون خجلنا؟! بالاثنينية قد يكون قلب الإنسان غير لسانه! فهو يقول ما يعجب سامعه, وقد يكون قلبه غير ذلك أو عكس ذلك! وقد يصلي بشفتيه, وقلبه مبتعد عن الله تماما(إش39:13) (متي15:8). فهو من الظاهر يبدو قريبا من الله بشفتيه,بينما قلبه مبتعد أليس هذا الإنسان اثنين؟! ولذلك نحن نقول في التسبحةقلبي ولساني يسبحان القدوس. إنسان آخر تتدرج به الاثنينية إلي التملق وإلي النفاق. يكون في قلبه كارها لرئيسه, حاقدا عليه, ومع ذلك يكلمه بكلام المديح والملق! أليس هذا لونا من النفاق, صار فيه هذا الإنسان اثنين:الإنسان الداخلي فيه يختلف عن الخارجي, بل يتناقض معه إلي أقصي حد... متي يصير الإنسان واحدا؟ قلبه واحد مع لسانه؟! وليس معني الوحدة أن يخطئ لسانه كما يخطئ قلبه! كشخص باسم الصراحة يقع في أخطاء عديدة. كلا. بل يصلح قلبه, وينقيه من الحقد والكراهية, حتي يصير واحدا مع لسانه, أو علي الأقل يصمت فلا يتكلم بلسانه ما لا يعتقد به في قلبه. وفي كل علاقاته إذا لم يستطع أن يوبخ الخطية, فعلي الأقل لا يتملقها ! ولا يكون اثنين:قلبه في جهة ولسانه في جهة مضادة... أو إنسانا داخل الكنيسة بصورة, وخارجها بصورة عكسية. سواء في عبادته أو في خدمته...في محيط الخدمة: بمنتهي الرقة واللطف والأدب. وفي البيت أو العمل بمنتهي الشدة والعنف والقسوة...أو يكون داخل الكنيسة في أسبوع البصخة كما يليق بأسبوع الآلام وخارج الكنيسة ضحك وهزل...إنه إنسانان مختلفان. وفي معاملاته لا يجوز أن يكون اثنين, أو بوجهين, أو يلعب علي حبلين! فهو يعامل شخصا برقة أو بإخلاص أو باحترام! ومن خلفه يدبر له مكيدة, أو يتكلم عليه بالسوء. أو يكون معه بكل القلب,أو يبدو كذلك, فإذا انقلب الجو, انقلب معه. وكما يقول المثل العامي(معاهم معاهم, عليهم عليهم)....! وهذا الذي يعيش بالاثنينية, لا يكون له ثبات فهو كثير التغير, وقد يكون أيضا كثير التردد. ويتحول من حال إلي حال بغير ثبات. وقد يفكر فكرا, ثم يجد فكرا في داخله ضده. وتتصارع أفكاره أو قد تتصارع أذنه مع عقله...ولا يعرف هل يصدق أذنيه ويتبعهما, أم يصدق قلبه واقتناعه الداخلي؟ الاثنينية قد تقود إلي انقسام الشخصية. وربما تقود إذا استمرت إلي ازدواج الشخصية, أو تؤدي به إلي الشيزوفرينيا. وتري مثل هذا الشخص في أحد الأيام بصورة, وفي يوم آخر بصورة مغايرة. وتقول في نفسكليس هذا هو الذي عرفته بالأمس. إنه شخص آخر تماما!!.. الاثنينية قد تقود الإنسان إلي التحايل وقد يريد غرضا سليما, ويلجأ في سبيل تحقيقه إلي وسيلة خاطئة. وهكذا يجتمع فيه الخير والشر في عمل واحد والوسيلة الخاطئة تشوه الخير الذي يريده. وتعجب كيف يجتمع الاثنان معا. ولكنه التحايل علي الوصول! وقد يتعامل مع الناس بأسلوبين...ويزن بميزانين. صديق له يعمل عملا, فيحكم عليه بميزان, ونفس العمل يعمله شخص آخر, فيحكم عليه بميزان آخر. وإذا بالاثنينية تخرجه عن نطاق الحق والعدل, وتخرجه عن مبدأ المساواة في التعامل وتقف متعجبا أمام مصداقيته.... وقد يغضب من كلمة تقال له, ويبرر غضبه بأنه إنسان حساس لكرامته. بينما يقول هو نفس الكلمة لغيره, ولا يضع في ذهنه حساسية هذا الغير وشعوره! وتجد مثل هذا التناقض في تصرفات امرأة أب: تعامل ابنها بمنتهي العطف والحنو. بينما بمنتهي القسوة والظلم تعامل أبناء زوجها من زوجته الأولي. ويقف الإنسان متعجبا: كيف يجتمع الحنو والقسوة في قلب واحد؟! ولكنها الاثنينية, الحكم بأسلوبين, وبميزانين. وربما أيضا بمنطلقين متناقضين...في معاملة القريب والغريب! في اليوم الأخير حينما يكشف الله الخفيات, تري أن نخبئ وجوهنا حينما تفتح الأسفار وتكشف الأفكار, وتعلن الخفيات ويري الناس إنساننا الذي لم يكن ظاهرا لهم...تراهم ماذا يقولون؟! أما أنت يا أخي, فدرب نفسك أن تكون واحدا إن كنا نبحث عن الوحدة بين الكنائس, والوحدة بين الأمم والشعوب, ألا نبحث بالحري عن الوحدة داخل النفس الواحدة فلا يكون داخلها صراع بين طرق متعددة....! | |
|