mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: الذي يحب.. يتحمل الإثنين 4 أكتوبر 2010 - 16:33 | |
| الذي يحب.. يتحمل بقلم: البابا شنودة الثالث الاهرام 3-10-2010
لا أريد في هذا المقال أن أحدثكم عن التحمل بصفة عامة, فالتحمل موضوع طويل, وله أسباب عديدة, وهناك من يتحمل بسبب اتصافه بالوداعة والهدوء, وهناك من يتحمل بسبب تواضعه, أو بسبب الحكمة وتجنب عواقب الأمور, أو لأسباب أخري.
ولكن موضوعنا الآن هو التحمل بسبب المحبة, المحبة التي تتحمل كل شيء, فالذي يحب شخصا, يكون مستعدا ان يتحمل كل تصرفاته كما انه يتحمل من أجله. ومن أمثلة المحبة في التحمل: محبة الأمومة والأبوة, ومحبة الأم التي تتحمل متاعب الحمل والولادة والرضاعة ومتاعب الصبر في تربية الطفل والعناية به, في غذائه وفي نظافته وفي الاهتمام بصحته, وفي تعليمه النطق والكلام, وفي الصبر علي صراخه وصياحه وعناده, إلي ان يكبر. كذلك محبة الأب في تربية أبنائه وتحمله مشقة العمل بجميع الطرق للإنفاق عليهم وتوفير جميع احتياجاتهم. ومن أمثلة حب التحمل أيضا: محبة الجنود لوطنهم فمن أجل محبة الوطن يتحملون مشاق التدريب والحرب, والتعرض للموت أو للإثارة, وربما يتحملون فقد بعض أعضائهم مع جروح أو تشوهات, وفي الوضع نفسه نقول علي ما يتحمله رجال الشرطة لحفظ الأمن. ومن أمثلة حب التحمل: تحمل الشهداء والنساء من أجل محبتهم لله, وأيضا ما تحمله الرسل والأنبياء من تعب ومشقة في نشر الدين, كل ذلك بصبر كثير, وفي شدائد وضيقات وفي تعب وأسهار وأصوام. ننتقل إلي الحديث عن محبة الغير وتحمل تصرفاتهم: فنذكر المحبة التي تتحمل الغير وتسامحه, والتي تتحمل الإساءة, ولا ترد بالمثل, والمحبة التي لا تشكو من المسئ ولا تشهر به, المحبة التي تنسي الإساءة ولا تخزنها في ذاكرتها كما يفعل البعض لأشهر وسنوات, المحبة التي لا تقول باستمرار هذه حقوقي وكرامتي! المحبة التي تتحمل: هي محبة الشخص صاحب القلب الكبير الواسع الذي يتحمل العتاب ولا يتضايق حتي لو كان العتاب بألفاظ صعبة, وبقلبه الكبير يتحمل حتي الفكاهة ولو كانت بأسلوب يبدو فيه التهكم. علي ان يكون التحمل بغير ضجر ولا تزمر ولاضيق بل بصدر رحب وروح طيبة لا يتمركز فيه الإنسان حول ذاته وحول كرامته, فطبيعي ان المحبة التي تطلب ما لنفسها, وبالتالي تتحمل كل شيء ولا تحتد ولا تثور, المحبة التي لا تتفاخر بل تتحمل. بعض الناس لا يتحملون الذين لا يفهمونهم, ومن هنا كانت مشكلات الأذكياء مع الجهلاء, أو مع الأقل منهم فهما, لذلك يحدث أحيانا ان يبتعد مثل هؤلاء الأذكياء عن كثير من الناس الذين لايفهمون بسرعة, وقد لا يتحمل الواحد منهم طول الوقت في إقناع غيره, فيتحاشاه أما الذي في قلبه حب فإنه يطيل أناته علي غيره, ويصبر وهكذا يضم إليه قليل الفهم ويتحمله, بل يرجو منه خيرا وهكذا يتعامل مع الأطفال. القلب الضيق الخالي من الحب هو الذي لا يتحمل الآخرين, أما القلب الواسع فيستطيع ان يتحمل الناس, لذلك يا أخي كن متسعا في قلبك وفي صدرك وفي فهمك, ولا تتضايق بسرعة, واعرف ان المجتمع فيه أنواع متعددة من الناس وليسوا جميعا من النوع الذي تريده, فيوجد فيهم كثيرون لم يصلوا بعد إلي المستوي المثالي ولا إلي المستوي المتوسط, وعلينا ان نحبهم جميعا, وبالمحبة ننزل إلي مستواهم لنرفعهم إلي مستوي أعلي, وهكذا نتأني عليهم ونترفق بهم ونتحمل كل ما يصدر عنهم من جهالات ونصبر عليهم حتي يصلوا. لا تقل الناس متعبون بل بمحبتك تتعامل معهم وتحاول ان تصلح من طباعهم, ولو كنت لا تتعامل إلا مع المثاليين عليك ان تبحث عن عالم آخر تعيش فيه. في إحدي المرات قال لي شخص: أنا لم أعد اتحمل( فلان) إطلاقا انه شخص لايطاق ولايمكن تحمله! فقلت له: وكيف إذن تحمله الله منذ ولادته حتي الآن؟! وكيف تحمل غيره من أمثاله منذ بدء الخليقة إلي يومنا هذا؟! وقال لي آخر:(وفلان) يقول الكلمة ويرجع فيها فكيف يمكن ان أعاشره؟! إن عشرته لا تحتمل فقلت له: وكم مرة تعهدنا لله بشيء ورجعنا في كل تعهداتنا؟! وكم مرة وعدناه ولم نف بوعودنا؟ ومع ذلك تحملنا الله؟ كم مرة نذرنا لله نذورا ولم نف بها, وكان الله يعرف ذلك لمعرفته بالمستقبل ومع ذلك حقق لنا ما كنا نطلبه في نذرنا. وكم مرة قدمنا لله توبة كاذبة ونعود بعدها إلي خطايانا السابقة؟! ومع كل ذلك يتحملنا الله ويطيل أناته علينا, حتي نعود ونتوب مرة أخري. وكم مرة يأتي موعد الصلاة ونقول ليس لدينا وقت الآن لنصلي يقول التراب والرماد للخالق العظيم ليس لدي وقت أكلمك فيه!! ويتحمل الله هذا التراب. فإن كان الله يتحملنا في كل هذا فلماذا لا نتحمل غيرنا؟! نقطة أخري وهي ان الذي يحب الله لايتضايق إذا صلي, ولم يشعر باستجابة الصلاة, فيشك في محبة الله وعنايته, ويظن ان الله قد نسيه! بينما الله يعمل دائما في الوقت المناسب حسب حكمته. كذلك الشخص المحب لله يتحمل التجارب والمشكلات ولا تتزعزع محبته مهما طال وقت التجربة ومهما ازدادت حدتها, بل يقول في ثقة:كل الاشياء تعمل معا للخير ويتحمل ولا يتعجل حل المشكلات, بل يعطي المشكلة مدي زمنيا يحلها الله فيه, في الوقت المناسب الذي يراه الله مناسبا وبالطريقة التي يراها الله مناسبة. وهكذا بالمحبة يتحمل الناس ويتحمل صبر الله في علاج مشكلاته. | |
|