بحياة القدوة يمكنك أن تصل إلي منفعة الآخرين بتقديم المثال الروحي العملي لهم.. وبسلوكك الحسن تجذب آخرين إلي محبة الله وتنفيذ وصاياه. وتكون عظـة لا واعظا. إن السيد المسيح لما غسل أرجل تلاميذه كان مِثالاً عملياً لهم وللعالم في التواضع والمحبة. وأنت يا أخي العزيز من المفروض أن تكون حياتك وسط الناس قدوة لهم ومثالا ونموذجا موضوعا أمامهم, يرون فيه الطريق العملي لنقاوة الحياة وحياتك العملية في محبة الآخرين وفي بذلك لأجلهم, وفي تعاونك معهم وفي خدمتهم, إنما هي درس عملي تقدمه, لأن المحبة لا تكون بالكلام وباللسان, وإنما بالعمل والحق. كذلك إن عشت في سلام مع الكل وبطبيعة هادئة وديعة تحترص من أن تغضب أحدا إنما تكون بلسما في السلام وفي الهدوء دون أن تلقي تعليما في هذا الأمر.
إن أم موسي النبي التي لم تكتف بإرضاعه لبنها بالجسد, بل أرضعته أيضا الإيمان القوي الذي ثبت فيه حينما عاش في قصر فرعون وسط كل الآلهة القديمة, ولم يتأثر بها بل صار فيما بعد قائدا للإيمان.. هذه الأم أعطت للعالم درسا في واجب الأمومة وكيف تهتم بإيمان أبنائها.
** إننا لا نأخذ قدوة فقط من البشر الصالحين إنما يقول سليمان الحكيم: "تعلم من النملة أيها الكسلان"، ونص الآية هو: "اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا" (سفر الأمثال 6: 6). صدقوني إنني لم أر في حياتي كلها نملة تقف بلا حركة, فهي دائمة العمل في نشاط عجيب هو درس لنا وقدوة. كذلك نأخذ درسا من حبة القمح التي نلقيها في الأرض فتظل تعمل حتى تقدم لنا ثمرا وفيرا: أولا نباتا, ثم سنبلاً ثم قمحا ملآن في السنبل كل هذا الثمر من حبة واحدة.. ونفس الوضع بالنسبة إلي كل شجرة مثمرة, كم تعطي في كل موسم؟ إنها أيضا درس. بل نأخذ قدوة أيضا من الأرض التي تدور ولا تتوقف منذ آلاف السنين, منذ خلقها, وهي تدور باستمرار حول محورها وتنتج في كل دورة ليلا ونهارا.. ملايين السنين وهي لا تتوقف. تري لو سئمت الأرض من دورانها, وتكاسلت واتكأت قليلا علي محورها لتستريح! أما كان العالم يرتبك؟! ولكن الأرض في حركتها الدائمة تعمل العمل الذي أوكله الله إليها, وتعطينا قدوة ودرسا لا ننساه. كذلك الشمس هي الأخرى عظة صامتة إذ تشرق علي الصالحين والطالحين وتعطي بنورها للمستحق وغير المستحق. ونورها يضئ لنا دون أن نطلب, فالشمس لا تنتظرك حتى تطلب, منها ضوءا, وكذلك القمر, بل كلاهما ينيران لك ويضيئان الطريق دون أن تطلب, إنه درس من القدوة. والشمس في قدوتها تدخل بيت الملك, وتدخل بيت الخادم, والمسكين. الكل يحتاجون إليها, والكل يتمتعون بها وهي لا تفرق بين عظيم وحقير, أو بين غني وفقير, ونورها يطهر كل مكان ولا يتنجس به. هكذا أنتم يا إخوتي في معاملتكم للناس وفي قدوة الشمس لكم التي تشرف علي كل أحد بدون تمييز. أنتم جميعا ضرورة لازمة لنفع العالم. لستم لأنفسكم فقط, وإنما لخير البشرية كلها بالقدوة.
** والإنسان الصالح لا يقدم قدوة أثناء حياته فقط, بل تظل قدوته قائمة ونافعة حتى بعد وفاته. هو نور يضيء عبر الأجيال, ولا تموت سيرته بموته بل تبقي قدوة للناس بل إنه إن مات يتكلم بعد بهذه القدوة.. وفي هذا المجال لست أذكر فقط بعض سير القديسين المعروفين. إنما أذكر من جهة القدوة قصة المهاتما غاندي الزعيم الهندي العظيم, الذي قدم قدوة عجيبة في الجهاد البعيد تماما عن العنف. كان غاندي البراهمي Mohandas Karamchand Gandhi هو المثل الروحي الحي في أيامه كان إذا صام يهز البرلمان الإنجليزي. وكان في تحمله للألم والاضطهاد بدون مقاومة أو انتقام, ينال إعجاب العالم كله ويستنزل السخط علي الحكام القساة في أيامه. كونوا يا إخوتي قدوة وبهذا تنفعون غيركم دون أن تتحدثوا.