mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: شروط التوبة المقبولة الإثنين 11 أكتوبر 2010 - 15:13 | |
| شروط التوبة المقبولة محاضرة ألقيت أول يناير1939 للمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف عام
إن كنا قد عرفنا سر التوبة بأنه هو عبارة عن رجوع الخاطئ ومصالحته مع الله, وذلك بواسطة الاعتراف علي يد كاهن شرعي, لنوال الحل منه بالسلطان المعطي له من الله القائل:من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتموها عليه أمسكت إلا أننا ينبغي لنا أن نعلم تمام العلم أن الله لا يقبل توبة الإنسان, إلا علي شروط خاصة, لأن الخطية إنما هي إهانة في حق الله, وذنب جرئ ضد صاحب القداسة, فلو لم يهتم الله بهذه الخطايا التي تجرح كرامته, لكان معني هذا أن الفضيلة والرزيلة سواء لديه, والحال ليس كذلك, وأولئك الأشخاص الذين يسيرون في طريق الشر ولم يتوبوا, إنما هم يطمعون في رحمة الله أكثر مما يجب أن يكون, فالله يهمه التوبة وكذلك يهمه علي أي صورة تقدم هذه التوبة لأنه من منا لو ذهب إلي السوق ليشتري شيئا, أفلا ينقب ويبحث عن البضاعة الجيدة غير المزيفة الحقيقية كذلك الله أيضا, فلا يقبل التوبة بلا شرط ولا قيد ولكن التوبة المقبولة أمامه تعالي لها صفات هي: 1-تكون بنية خالصة: ومعني هذا أنها ينبغي أن تكون من أعماق القلب, خالية من كل تظاهر, لا يكون قصدها نوال الإعجاب من الناس, بدون تأويل حسب المقاصد المختلفة, وبدوم قصد المديح أو الثناء, كذا تكون عن بغضة حقيقية للخطية, فمن يتوب خوفا من عقاب يلحقه أو طمعا في ثواب يرجوه, هذه توبة تكون سريعة التبخر لا تلبث, بل ينبغي أن تكون التوبة عن ألم الشديد بل حبا في الرجوع إلي حبيب نفوسنا ومخلصنا, رأينا رجلا كفرعون حاكما سقطت الويلات والضربات عليه, كان يصرخ لموسي وهرون صارخا معترفا بخطئه قائلاأخطأت إلي الرب إلهكم وإليكما والآن اصفحا عن خطيتي, الرب هو البار وأنا وشعبي الأشرار وكان يطلب من موسي أن يصلي من أجله, وكانت ترجع القساوة إلي حالها, هذه عينة من النفوس التي تتوب خوفا من ألم يلم بها, ولعل هذا يقودنا إلي القول أن الكثيرين من بحارة السفن, يتكلمون عن الله أكثر من أي فئة أخري والبعض منهم ساعة هبوب الزوابع يستغيث صارخا لإلهه تائبا, حتي إذا ما انقشع الهواء وزال, قست القلوب وكأن هذا يشبه حجرا صلدا, إذا ما نزل في الماء تبلل به, ولكن بعد أن يصعدوه من الماء لا يلبث أن يجف فيعود إلي صلابته, بل وكثيرون من الناس عندما يمرضون يفكرون في التوبة, ذلك لأن شبح الموت ماثل أمام أعينهم, وكلنا يعرف أن شيلي شميل ذلك الرجل الذي ظل عصرا كبيرا يكتب ضد الله, حتي إذا مرض مرضا مؤلما وأفزعه شبح الموت, تناول قلما وكتب معترفا بوجود الله, وأنه كان في ضلال كامل حين كان يكتب ضد هذه الحقيقة. ولقد قرأت عن دكتور كتب قائمة بألف مريض, ظنوا أنهم, يموتون فتابوا, ولكن لما شفاهم الله وجد أن ثلاثة فقط من الألف هم الذين عاشوا لله, هؤلاء تابوا خوفا وهربا من ساعة الموت, أما الله فلا تنطلي عليه حيل البشر, فلا يقبل توبة هذا نوعها. 2-تكون غير مقيدة: التوبة المقبولة هي التوبة التي يقطعها التائب علي نفسه دون قيد أو شرط, وإذ ذاك يجب أن تكون غير مقيدة: أ- من ناحية الزمن: فلا يحدد وقتها, بعد يومين أو ثلاثة أو أكثر, لأن تأجيل التوبة يدل علي أنه لم يقتنع تماما بفكرة التوبة, وإنها فكرة طارئة عرضة للزوال, وأنه لم يشعر بعد بمرارة الخطية. وكذلك أن لا يحدد في نفسه أن يتوب لمدة شهر أو شهرين من الزمن كما يفعل البعض عندما يعزمون علي إبطال عادة شرب الخمر أو التدخين. ب-من ناحية نوع الخطايا: يوجد بعض الناس الذين يقولون أننا نتوب, ولكنهم يتوبون عن القسم ولكنهم يكذبون ويشتمون ويفعلون كل ما يحسن في أعينهم, فهم يتوبون توبة بالقطاعي لا بالجملة, فهؤلاء علاوة علي أنهم ماداموا علي هذه الحالة فلن يتوبوا إلا أنهم مع هذا فتوبتهم لا تحسب توبة, لأنها لم تكن عن عزم علي مقاطعة الخطية. ج-بل يجب أن تكون غير مقيدة بمكان: فلا أقول أني أتوب عن فعل الخطية الفلانية في المكان الفلاني فقط, علي أن أعملها في غيره,هذا يدل علي أني لا أعرف أن الله موجود في كل مكان ولا يحده مكان, وهذا عين الكفر والإلحاد من حيث لا أشعر. د-وتكون غير مقيدة من ناحية الأشخاص: فلا أقول أني تبت عن أن أسئ إلي أخي, إنما أسئ إلي أبي أو أمي أو أي إنسان. إن التوبة الحقيقية هي التوبة العامة المطلقة التي يعزم صاحبها عن التوبة من الآن من هذه الساعة, وعن كل الخطايا, كراهية لها وعن صنعها في أي مكان, ولأي إنسان مهما كان. 3- الندامة علي الماضي: وهو أن يشعر الخاطئ أنه قد أساء إلي الإله الصالح, الذي طالما أحسن إليه فينسحق قلبه أمامه آسفا أسفا شديدا علي ما فرط منه, مستغفرا وطالبا العفو, وبدون هذا لا تكون قيمة للغفران, لأنك إن لم تشعر بحاجتك إلي شئ فلا قيمة لهذا الشئ عندك, هذا هو الشعور الذي به تقدم الابن الضال إلي أبيه قائلا: يا أبي أخطأت إلي السماء وقدامك ولست مستحقا بعد أن أدعي لك ابنا بل اجعلني كأحد أجرائك هذا هو شعور الانسحاق وبلا شك لا يرفض الله إنسانا هذا حاله, ولذلك لما أراد الله أن ينتقم من آخاب, وبعد صدور الحكم تواضع آخاب ومشي بسكوت, رأينا صوت الله بالعفو عنه, وتحويل الحكم عنه فصار في أيام ابنه. وهذا الشعور كثيرا ما قاد رجالات الله القديسين إلي البكار المر, فهذا هو داؤد النبي سمعناه يحدث عن نفسه, أنه كان يبلل فراشه بدموعه, وهذه هي المرأة الخاطئة التي قال عنها الإنجيل أنها وقفت باكية فنالت الغفران, وقال الوحي الإلهيارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم. لقد عرف هذا القديس أغسطينوس فأخذ يناجي الدموعيا أيتها الدموع المنسكبة عن قلب مجروح بسيف الندامة, ما أقدر سلطتك العجيبة لأنه ما أعظم الخوف من نظر الحاكم العادل وشقاوة أعدائه, ومع ذلك فتدخلين أنت وحدك إلي حضرة الملك ولا يعود أملك خائبا, بل تغلبين من لا يغلب وتقدرين علي القادر علي كل شئ فكان للدموع أثر عظيم في إجابة السماء إلي مطالب البشر, وكما قلت وأقول يجب أن يكون هذا الشعور عن حزن لإغضاب الله فقط, قال القديس يوحنا فم الذهب: تنهد عندما تخطئ لا لأنك مزمع أن تعذب, لأن هذا ليس شيئا, بل لأنك خالفت سيدك الوديع الذي يود ويصبو إلي خلاصك, حتي إنه أعطي ابنه عنك. 4-العزم الوطيد علي إصلاح السيرة: وهذه هي النتيجة المطلوبة من التوبة الحقيقية أن تكون هناك ثمار للتوبة, ولهذا قال يوحنا المعمدان:فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة, ولا تفتكروا في أنفسكم أن لنا إبراهيم أبا بل هذا هو عين الكلام الذي وجهه السيد المسيح إلي المرأة الخاطئةاذهبي ولا تخطئي أيضا وكلم الرجل المفلوج قائلا ها أنت قد برئت فلا تعد تخطئ أيضا. وأجمل مثل نراه في التوبة هو بولس الرسول الذي كان شاول الطرسوسي, والفرق بين الحياتين هو الذي يعطينا فكرة جلية عن ثمار التوبة, وهذا ما قاله أحد القديسين, أي القديس باسيليوسلا فائدة من الصفح عن الظالم إن لم يكف عن ظلمه, ولا فائدة لمن يقول أنه ترك الرجاسة وبقي في نجاسته. فهل لنا قوة الإرادة التي بها نستطيع أن نتغلب علي كل شر يحيط بنا, وقوة العزيمة التي نهزم بها كل علو يترفع علي معرفة الحق؟ ليس حسنا أن يكون القلب منقسما إلي نصفين, نصفه للعالم ونصفه للمسيح, يجب أن يكون القلب إما للمسيح أو لبليعال, لأنه أي شركة للنور مع الظلمة, وأي اتفاق للمسيح مع بليعال. لا تعرجوا بين الفرقتين إن كان الرب هو الله فاعبدوه وإن كان البعل هو الله فاتبعوه. 5-التفكير في شناعة الخطية: وهذا يفيدنا من نواح متعددة, فكثرة التفكير في الخطية يعطينا صورة حقيقية عن الخطية, بعيدة عن الغواية والخداع, فيكون لنا ذلك خير عبرة, ويوقفنا علي مقدار ضعفنا فنتضع تحت يد الرب الرفيعة, حيث نطلب منه المعونة فيرفعنا في حينه, حينئذ نبتدئ نشعر بمراحم الرب نحونا, هذا هو بولس الرسول تأمل متفرسا في الخطية فرأي بشاعتها وظلام قلبها, وفتش في قواميس المعاني والألفاظ ليخلق لها وصفا من اسمها, فيقول:أن الخطيئة خاطئة جدا, هي التي خدعت الإنسان فسقط, وسببت اللعنة له, بل للأرض قاطبة, بل هي بعينها التي أمسكت بيديها المسامير فدقتها في يدي ابن الله وطعنته في جنبه بالحربة, سببت كل هذا البلاء وما نحن فيه من أمراض وضعف ودموع وخصومات ومنازعات. شباب ناهض زاهر ينضوي كالزهرة الذابلة, ما الذي صنع فيه كل هذا؟ الخطية قوة خفية وسطوة وجبروت تحولت إلي ضعف كامل وانخذال وهزل ما هي السوسة التي صنعت كل هذا؟ إنها الخطيئة, حقا ما أقبحك أيتها الخطيئة. 6-الرجاء في المسيح: يوجد الذين يشعرون بخطئهم وشفاعة المسيح, ويا للأسف ييأسون, ولكن ليعلم الجميع أنه في الوقت الذي يبغض الله الخطيئة, إنما يعطف علي الخطاة, وفي اللحظة التي فيها نار عدل الله تطلب النقمة والمجازاة في هذا الوقت تمتد يد الرحمة إلي الإنسان المسكين, طالبة منه الرجوع لكي ينال الرحمة, عندنا صورتان لخاطئين, لا تقل خطيئة الواحد منهما عن الآخر, هذا هو بطرس الرسول الذي أنكر سيده وهذا هو يهوذا الإسخريوطي الذي أسلم مخلصه, كلاهما أخطأ, ولكن أحدهما غفرت خطيئته وسترت ومحيت,ورجع إلي مركز الرسولية, والثاني سقط سقوطا عظيما وتم فيه ما قاله التلاميذ عنه أنه مضي إلي الهلاك, والفرق بين الاثنين خطوة واحدة, إنها جليلة عظيمة, الأول شعر بخطئه فلم ييأس, ولكنه وثق في رحمة الله القادرة أن تنشله من الموت, أما الثاني فيئس وخنق نفسه. هذا هو فرنسيس إسبيرا قبيل موته يعترف بشناعة خطاياه, فيقال له أن المسيح مات من أجل الخطاة, فيقول لا رجاء لي فلقد لعنت الله وأهنته, ومضي زمن النعمة ووسم ضميري وسأموت هالكا, هذه هي نغمة اليائس القانط من رحمة الله. ذهب بنيامين كيش مع يعض الأصحاب ليزوروا مريضا مرتدا, ولم يمكثوا معه خمس دقائق حتي هاج عليهم قائلا: اخرجوا من هنا لا فائدة من محبتكم, أخطأت ضد الروح القدس, وبعت بكوريتي كعيسو, ومع أني طالبها بدموع فلا أجدها, فمي ملآن مرا وعلقما لا تؤلموني بذكري يسوع, أنا أعرف أنع مخلص ولكنه يكرهني وأنا أكرهه, فأنا سأموت وحتما سأهلك, ثم أرغي وأزبد وصرخ بيأس: هالكا هالكا, مع العلم بأن رنة الاستهتار الديني انتشرت بين الكثيرين في هذه الأيام, إلا أننا لا زلنا نري بعضا من الناس قد يئسوا من خطاياهم وأصبحوا متيقنين أن لا رحمة لهم, مع أنهم لو طلبوا الرحمة واثقين في إلهنا لوجدوها. 7-الاعتراف علي يد كاهن شرعي: لكل خطأ اعتراف صادق بدون مواربة ولا كذب, بكل اتضاع واحتشام للأب الكاهن لينال منه الحل, بالسلطان المعطي من الله , فالله يطلب من جميع الناس أن يتوبوا متغاضيا عن أزمنة الجهل. له المجد دائما. آمين. | |
|