mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: هل تتقدم الأرواح نحو الكمال؟ الإثنين 18 أكتوبر 2010 - 14:54 | |
| هل تتقدم الأرواح نحو الكمال؟ بقلم المتنيحالأنبا غريغوريوس الاسقف العام
نعم, وبالتأكيد, فإن الروح التي خلقت علي صورة الله ومثاله لن تتوقف عن النمو في إدراكاتها ومعارفها وروحانيتها.
يقول الكتاب المقدس علي فم القديس بولس الرسول:
(لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم, وكطفل كنت أدرك, وكطفل كنت أفكر ولما صرت رجلا تركت ماهو للطفل...فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز, لكن حينئذ وجها لوجه...إني أعرف الآن بعض المعرفة, وأما يوم ذاك فسأعرف كما عرفت)(1.كورنثوس 13:11, 12). وهذا أمر طبيعي, فإن روح الإنسان طالما أنها حية, فكيف يقف نموها في معارفها وإدراكاتها وفهمها؟ ثم إنها بخروجها من الجسد, خرجت من ذلك الحاجز الفاصل بينها وبين الحقيقة في ذاتها. فالإنسان وهو في الجسد مغلق عليه في الجسد الكثيف ولا قدره لروحه إلي معرفة العالم الخارجي عنها إلا من خلال فتحات ضيقة هي ما نسميه بالحواس الخمس, وهي السمع, والنظر, واللمس, والشم, والذوق, وأدواتها والأذنان والعينان واليدان والقدمان, والأنف واللسان.... أما إذا خرجت الروح من الجسد فيما نسميه بالموت, فقد خرجت من السجن إلي العالم الأوسع, فتصير رؤيتها للحقيقة أوضح وأشمل وأوسع وأصدق, وأدق. إن حواسنا الخمس في الجسد تخدعنا فيما نسميه بخداع الحواس, فنري الملعقة مكسورة في الكوب الملئ بالماء, وهي علي غير ذلك في الحقيقة والواقع...ونري السماء زرقاء...وهي غير ذلك في الحقيقة. وحواسنا أيضا قابلة لأن تمرض أو تضعف, أو تشيخ, فلا تصلح دائما أن تكون أدوات سليمة للمعرفة الكاملة, أما إذا خرجت الروح من الجسد, فتنطلق كما ينطلق الحمام أو الحمائم وسائر الطيور, ويزول منها الوهن والضعف, وتصير قادرة علي التوصل لمعرفة الأشياء في ذاتها ومباشرة من غير واسطة. ثم إن الروح بخروجها من الجسد وخروجها إلي الحياة الأخري تزداد بطبيعة الحال معرفتها بالعالم الآخر. وهو الأوسع والأكبر من عالم الأرض بغير قياس. ومما يقطع في أن أرواح المنتقلين إلي الحياة الأخري تقبل التطور والتقدم والنمو في المعرفة والفهم إلي غير نهاية, قول الكتاب المقدس في الرسالة الأولي للقديس يوحنا الرسول: (أيها الأحباء, نحن الآن أبناء الله, ولم ينكشف لنا بعد ماذا سنكون غير أننا نعلم أنه متي ظهر سنصير مثله, لأننا سنراه كما هو) (1.يوحنا3:2). وبهذا فتح الكتاب المقدس أمامنا باب الترقي والتقدم والنمو والتطور إلي غير نهاية. إن هذه الحقيقة, حقيقة النمو والتطور, نتبينها من منظور آخر وزاوية أخري. لقد قال المسيح له المجد(كونوا إذن كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات كامل) (متي5:48). ولما كان كبار القديسين لم يصلوا في الأرض إلي الكمال الذي يدعونا إليه ويطالبنا به المسيح له المجد, ولكن حيث إنهم مقبولون, فالفرصة سانحة أمامهم للوصول تدريجيا إلي الكمال المطلوب, حيث إنهم أحياء, والحياة أبدية ولا نهائية, فلا توقف إذن عن النمو, والحركة المتقدمة إلي الأمام والصاعدة إلي أعلي, والداخلة إلي الأعماق, إلي أبد الأبد.(وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به, الحياة الأبدية) (1.يوحنا 2:25), (يوحنا3:15),(6:40). ثم إن المسيح له المجد كشف عن هذا الخط الصاعد إلي أعلي, وإلي الأمام, في تطور الروح بعد الموت, بما قاله في مثل الوزنات الرابحة: فجاء الذي أخذ الخمس الوزنات وقدم خمس وزنات أخري قائلا: يا سيدي قد سلمتني خمس وزنات وهأنذا قد ربحت فوقها خمس وزنات أخري. فقال له سيده أحسنت أيها العبد الصالح والأمين. بما أنك كنت أمينا في القليل سأقيمك علي الكثير...ثم جاء أيضا الذي أخذ الوزنتين وقال يا سيدي قد سلمتني وزنتين. وهاأنذا قد ربحت فوقهما وزنتين أخريين. فقال له سيده:أحسنت أيها العبد الصالح والأمين. بما أنك كنت أمينا في القليل سأقيمك علي الكثير...(متي 25:13-23). والمعني واضح, إن صاحب الوزنات الخمس لم يتوقف إنتاجه بالموت والانتقال إلي العالم الآخر, ولكنه مكافأة له أقيم أمينا علي وزنات أكثر مما أخذه في مبدأ الأمر, وأكثر مما ربح بل أن إنتاجه, والربح الذي حصل عليه بعمله وجهاده أهله لأن يقام علي مسئولية أكبرأقيمك علي الكثير. بل إن سيدنا أضاف علي صاحب الوزنات العشر, الوزنة التي سبق فأعطاها للعبد الشرير والكسلان ولم يوظفها ويربح بها, بل طمرها وعطلها عن الإنتاج والاستثمار. فقال الربخذوا منه الوزنة وأعطوها الذي لديه العشر الوزنات لأن كل من عنده يعطي ويزاد, وأما من ليس عنده فحتي الذي عنده يؤخذ منه(متي 25:27-29), (متي 13:12), (لوقا 8:18) أي أن من عنده ثمر وإنتاج يعطي وزنات أكثر حتي يستثمرها وينميها فلا تتعطل عن العمل ولا تتوقف عن الثمر. وتوكيدا للمعني نفسه وإصرارا عليه وزيادة في الإيضاح, قال المسيح له المجد مثلا آخرفدعا(الملك) عشرة خدم له وأعطاهم عشر وزنات من الفضة وقال لهم: تاجروا بها حتي أجئ...فلما عاد...أمر باستدعاء أولئك العبيد الذين أعطاهم الفضة ليعرف ماذا فعل كل واحد في تجارته. فجاء الأول قائلا: يا سيدي إن وزنتك قد ربحت عشر وزنات فقال له:أحسنت أيها العبد الصالح, وإذ كنت أمينا في القليل, فليكن لك السلطان علي عشر مدن. ثم جاء الثاني قائلا:يا سيدي إن وزنتك قد ربحت خمس وزنات. فقال لهذا كذلك فلتكن أنت أيضا علي خمس مدن....أما الذي أخذ الوزنة وطمرها, فأهانه سيده ثم قال للواقفين بين يديه: خذوا منه الوزنة, وأعطوها للذي عنده العشر الوزنات. فقالوا له:يا سيد إن عنده عشر وزنات.فقال: إني أقول لكم إن كل من له سيعطي, وأما من ليس له, فحتي الذي عنده سيؤخذ منه(لوقا19:12-26). فأرواح المنتقلين فيما وراء الموت, من الأبرار والقديسين, لن تتوقف عن النمو الروحاني والعقلاني, بل ستتقدم في طريق صاعد, وإلي الأمام, في سلم الفضائل وسعة الإدراكات والمعارف الحقيقية. وشيئا فشيئا تزداد روحانية وصفاء ونقاء, في خط الكمال المسيحي. هذه حقيقة إيمانية, مسنودة ومستندة إلي طبيعة الروح الإنسانية المخلوقة علي صورة الله ومثاله, ومؤيدة بنصوص الكتب المقدسة. وعلي ذلك فإننا علي يقين من أن أرواح الأبرار الذين سبقونا إلي العالم الآخر قد قطعوا عبر الزمن الذي مر, درجات ومراحل في النمو والارتقاء بحيث أنهم الآن في مرحلة من النمو أعلي كثيرا مما كانوا عليه عندما خرجت أرواحهم من أجسادهم. فموسي النبي ودانيال وإبراهيم...وأيوب وإرميا وحزقيال وأليشع وغيرهم من الأنبياء والقديسين...ويوحنا المعمدان, وبطرس وبولس ويوحنا الحبيب...وغيرهم من قديسي العهد الجديد...والشهيد مارجرجس, ومارمينا العجائبي وأبي سيفين...وغيرهم من الشهداء والرهبان أنطونيوس وبولا وباخوميوس وأبو مقار وإفرآم وبيشوي وموسي الأسود...وغيرهم من لباس الإسكيم...لابد أن يكونوا اليوم أكثر نموا وتقدما في إدراكاتهم ومعارفهم وتقواهم وأعمالهم الصالحة...مما كانوا عليه عندما خرجوا من الجسد...وكذلك غيرهم من الصديقين الأحدث عهدا ممن نذكرهم ونتشفع بهم من أجيالنا القربية لابد أن يكونوا اليوم أكثر سموا وارتقاء في روحانيتهم ومعارفهم وإدراكاتهم مما كانوا عليه يوم غادرت سفينة حياتهم شاطئ الحياة الدنيا إلي شاطئ الحياة الأخري. هذه الحقيقة هي من الوضوح والجمال بحيث أنها تنعش أرواحنا, وتشجعنا علي مواصلة الجهاد, والنمو الروحاني في الأرض,فإذا ما دعينا بعد الموت إلي الدخول فيالمظال الأبدية (لوقا16:9) سنواصل مسيرتنا في العبادة والخدمة المقدسة في جيش الخلاص مع المفديين المخلصين, وبهذا ننتقل من مجد إلي مجد ونحن جميعا نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كأنها مرآة, فنتحول إلي تلك الصورة عينها, وهي تزداد مجدا علي مجد, وهذا من فضل الرب الذي هو روح(2.كورنثوس3 : 18), (رومية8 : 29),(يوحنا17 : 22 ؛24). والآن...والآن...(لتمت نفسي موت الأبرار, ولتكن آخرتي كآخرتهم)(العدد23: 10). | |
|