فَأَنْتَ إِذاً الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ (رومية 2 : 21)
نتكلم كثيراً عن المخدوم وكيف نخدمه ونبنيه لاهوتياً وروحياً... ونفتقده ونتعامل مع مشكلاته، وقليلاً ما نتكلم عن الخادم نفسه واحتياجاته. حتى أنه مع الوقت قد تصير قداسة الخادم وعصمته أمراً بديهياً مفروغاً منه لكونه خادم ! لا سيما الخدام أصحاب الأسماء والحيثيات والتاريخ (وربما يكون قد أصبح خاوياً).
وننسى أن الخادم هو أيضاً مخدوم .. هو أيضاً له احتياجات عندما قال القديس إيرينيئوس أن "الأسقف هو تائب يقود تائبين" كان يقصد بالطبع أننا جميعاً فى سفينة واحدة نجدف معاً لنصل معاً .. وليس كأنّ الخادم قد وصل إلى البر وهو الآن يحاول إنقاذ المخدومين !
+ لذلك انتبهوا أن الله لا يوقف خلاص أنفس المخدومين على القامة الروحية للخادم (إذا ضل .. أو شرد .. أو تزوج فانشغل.. أو ترك الخدمة لأي سبب .. ما ذنب الأولاد .. أو انحرف فى التعليم .. حقيقي أنهم يتأثرون ولكننا نقول هذا على سبيل تحذير الخادم من العثرة ..
نتكلم ويصدقنا الناس ويصادقوا على ما نقول, يطيعون ويسمعون لنا, ولنا تلاميذ كثيرين، عدد كبير منا له اسم .. قارئ .. فاهم .. دارس, بل هناك ما ُيسمّى بحسن الكلام.... شخص مهنته الكلام .. لبق.. خطيب مفوّه.. رنان العبارات .. له حضور و"كاريزما" .. جاهز.. أوراقه .. وحقيبته.. وسيارته.. هو تحول إلى "كاسيت" .. جاهز للكلام .. الخ. إذن هو على مستوى أن يرشد ويعطي الآخرين .. جاهز ولكن أين هو .. أو كما يقول قداسة البابا "بضاعته للتصدير وليس للاستهلاك المحلي !" ولكن أين نصيبك .. ما هي المصادر التى تحصل منها على إحتياجك الشخصي.
إنه لا يحق لشخص ما أن يكون معلماً ما لم تكن له روح التلمذة. وفى التدبير الروحي لا يعطى لشخص تدبير ما لم يعشه هو، فلا نحمل الناس الأحمال العثرة دون أن نمسها بأحد أصابعنا (متى 23) هناك علاقة بين المتكلم والسامع، إذا كان مؤمنا بما يقول سوف يؤمن الذين يسمعون.. وإذا كان متضعاً فسوف يتعلمون أن يتضعوا..الخ ، بل كثيرا ما يصبح التلميذ أفضل من معلمه .. والأخطر من ذلك أن يكون التلميذ قد تعلم من معلمه الفضائل في البداية ، ثم تراجع المعلم وتقدم التلميذ.. وفي بعض الأوقات قال الآباء أن التلميذ صار بطاعته أفضل من معلمه.
لعل يوم الدينونة سيكون يوم مفاجآت .. قمم ورموز ومشاهير .. تتساقط .. وُيحضر الله المرذولين والمهمّشين والمحتقرين والذين فى الظل ويرفعهم، بينما يتهاوى أولئك. في ذلك يحذر أحد الآباء قائلاً احذر من التواني لئلاّ تخزى في قيامة الصديقين، هناك ُيبصرك أقاربك ومعارفك فيقولون لك ظنناك حملاً فوجدناك ذئباً !!..
إن الأمر يحتاج إلى وقفة بين آن وآخر .. تخيل أنك شخص آخر واخرج خارج نفسك .. وابحث عن نقطة ارتكاز خارج دائرتك ولتكن لك محطات إجبارية. أليس من الأفضل أن يخدم الخادم ستة أيام بدلاً من سبعة من أجل تفعيل خدمته ؟ حقاً إن الشمس الساطعة تدفئ والُمروى هو أيضاً يروى .. ولا شك أن الذى يؤثر فى الآخرين هو شخصية الخادم وليس كلامه .. وبالتالي يمكن للخادم أن يصبغ كنيسته كلها بصبغة نسكية أو عقلانية أو لاهوتية ....
إن هناك خطورة شديدة على الخادم الذي ليس له مخدع وليس له وجبات يشبع بها هو، وليس للتحضير فقط واختيار ما يصلح للمخدومين، وهذا هو الفرق بين شخص يقرأ ليستنير ويرتوي وآخر يقرأ لينقل للآخرين ما حصّله، ولقد كان الآباء يمدحون البعض قائلين "الآب العامل العالم" وهو ما قاله السيد المسيح " وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ فَهَذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ (متى 5 : 19)
. كما أن الحجم الطبيعى للخادم يظهر داخل المخدع وليس أمام الآخرين ممن يمتدحونه ويثنون عليه كثيرا ..
أخشى ما أخشاه أن يتحصن الخادم مع الوقت ضد الإنجيل والتوبة فل يقبل النصح ولا الانتقاد حتى لو كان فيه خلاص نفسه. يقول القديس بولس محذراً "حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً " (1كو 9 : 27 )
منقول