ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (متى 28: 20
لقداســه البـابـا شنوده
إن الله لا يرى، وقد قال القديس يوحنا الإنجيلي: "الله لم يره أحد قط.."
(يو 1: 18).
حقاً من يستطيع أن يرى اللاهوت؟! لا أحد . ومع ذلك فأنت تؤمن به من كل قلبك، وبكل ثقة. ولا يعتمد هذا الإيمان مطلقاً على الحواس. أو قل إنك تراه بتلك الحواس الروحية الدربة (عب 5: 14).
تلك الحواس غير المادية التي تدربت أن ترى ما لا يرى. ولنا أمثلة على ذلك من الكتاب:
يقول داود النبي "تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 15).
فكيف رأى الرب أمامه وعن يمينه كل حين؟ لا شك أنه رآه بعين الإيمان. وفي بعض الترجمات يقول "جعلت الرب أمامي كل حين". أى أنه ناظر إليه باستمرار، ناظر إلى ما لا يرى، مركزاً فيه فكره وشعوره. وبنفس المعني يقول إيليا النبي "حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه" (1 مل 18: 15).
فكيف شعر أنه واقف أمام الرب؟ وكيف كان يرى الرب أمامه في كل حين؟.. ليس بالحواس الجسدية طبعاً، لأن الحواس الجسدية ليست هي التي تحرك قلب المؤمن. بل إن الرب أمامه بالإيمان. وهو بالإيمان . وهو بالإيمان يرى ما لا يرى.
إن كنت في الإيمان، فلا بد ستثق إن الله أمامك في كل حين، وتتصرف وفق هذا الإيمان: إنه يراك ويسمعك..
وإن عشت في الإيمان، فستثق أن الله في وسط شعبه، حسب وعده الصادق".. هناك أكون في وسطهم" (متى 18: 20)
"ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (متى 28: 20)
. إنك لست تراه بعينك الجسدية، ولكنك تؤمن تماماً أنه في وسطنا. لست محتاجاً أن ترى بعينيك لكي تصدق. فأنت تؤمن دون أن ترى. أو ترى ما لا يرى.
ما هي حياتنا الروحية يا إخوتى؟ إنها ليست سوى انتقال من نطاق المحسوسات والمرئيات إلى نطاق ما لا يرى.
ونحن نعيش في ما لا يرى، بملئ الثقة أنه موجود أمامنا. وهذا هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن. غير المؤمن يريد أن يرى كل شئ بعينيه، والإ فإنه لا يصدق.
أما المؤمن فإنه لا يجعل من عينيه حكماً على كل ما يؤمن به.. ولا كل حواسه، ولا المعلومات الظاهرة. بل إن قلبه يوقن بوجود أمور لا يراها بعينيه.. إن اعتماد الإنسان على عينيه لكي يصدق، أمر وبخ الرب عليه تلميذه توما قائلاً له "لا تكن غير مؤمن بل مؤمناً" "ألأنك رأيتني يا توما آمنت؟! طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يو 21: 27، 29). قلنا إنه من ضمن الإيقان بأمور لا ترى، الإيمان بالله.. ولكننا لا نعني بهذا.
مجرد الإيمان بوجود الله، وإنما الإيمان بصفاته وبعمله.
فتؤمن مثلاً بصلاح الله وخيريته. وبأنه لا يصنع إلا خيراً. وتؤمن أنه ضابط الكل، يرقب كل شئ وكل أحد. وتؤمن أن الله قادر على كل شئ، وأن "غير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله" (لو 18: 27). وتؤمن بمحبة الله لك ولغيرك.. كل هذه الصفات، لا تراها. ولكن تؤمن بوجودها، وتؤمن برعاية الله للكون، وحفظه له جملة، ولكل فرد فيه على حدة.. وتؤمن أن الله يعمل، سواء رأيت عمله أو نتائج عمله، أو لم تر شيئاًSent by Fr aghnatious Ava Biahoy