الصوم هو صوم يونـــان
و لكن يطلق عليه خطأ صوم نيــنوى ،
وللذين يطلقون عليه ذلك (نينــوى)
عدة أسباب لا تستند على أى دلالات من الكتــاب المقدس
أو من الطقس الكنسى المورث.
و مع ذلك توجد أسباب كثيرة
تدل على أنه صوم يونــان النبى
ولعل من أهم هذه الأسباب مايلى :
1- أول سبب وهو أهمهم أن صوم يونان (الثلاثة أيام) ترمز رمزاً مباشراً لموت و قيامة السيد المسيح لأنه كما قال السيد المسيح نفسه (( لأنه كما كان يونــان فى بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليالٍ هكذايكون إبن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام و ثلاث ليالٍ[مت 12 : 40]))
2- ثانى سبب أن يونان كان رمزاً ثانياً للسيد المسيح ((لأنه كما كان يونـــان آية لأهل نينوى كذلك يكون إبن الإنســـان أيضاً لهذا الجيل [لو 11 : 30 ] )) .
3- ثالث سبب وهو مهم أيضاً . أن طقس الكنيسة فى الثلاثة أيام هو من طقس الصوم الكبير بألحانه بكل ما فيه ، ولعل ذلك دليل ، لأننا نصوم صوم تمهيدياً للصوم المقدس ، ويرجع ذلك إلى أن الصلة بين الصومين هى أن السيد المسيح صام أربعين يوماًعلى الجبل كإستعــداد للخدمة ، هكذا صام يونان أستعداداً للخدمة و إن كان صياماً إجبارياً.
4- رابعهم أن ألحان الكنيسة فى ذلك الصوم تطلب صلوات يونان
( فى الهيتينية ) ، و تتوب توبة نينوى كما فى المدائح .
5- خامس سبب و هو الدليل القاطع على ما نقول و هو أن أهل نينـوى لم يَذكر عنهم الكتاب المقدس من التكـوين إلى الرؤيــا أنهم صاموا ثلاثة أيام ، بل ما ذُكر ان المدينة كانت مسيرة ثلاث أيام و لكن يونان نادى فيها يوم واحد فإستجابت المدينة كما هو مكتوب فى (يونان 3 ) و لم يُذكر كم يوم صام الشعب فربما 4 أو 5 أو أكثر من ذلك..... لم يُذكر.
يقول قداسة البابا شنودة الثالث :
إنها من أعظم الصلوات التى قرأتها فى حياتى .. ليته كان قد قدمها ، أو قدم صلاة من نوعها قبل أن يفكر فى الهروب من الرب .. حقا أن الضيقات هى مدرسة للصلاة ...
لقد تأثرت كثيرا بقوله " دعوت من ضيقى الرب فاستجابنى " . وقلت فى نفسى : ما هذا يا يونان ؟ كيف استجابك وأنت ما تزال فى جوف الحوت ؟! أما كان الأجدر أن تقول " دعوت يارب فى ضيقى فاستجبنى " فتطلب هذه الأستجابة لا أن تعلنها ؟! .
لكن يونان يرى بعين الإيمان ما سوف يعطيه له الرب . يراه كأنه قائم أمامه ، وليس كأنه سيأخذه فيما بعد ، فيفرح قائلا " دعوت ... فأستجابنى
ويستمر يونان فى صلاته العجيبة ، فيقول للرب " صرخت من جوف الهاوية ، فسمعت صوتى .. جازت فوقى جميع تياراتك ولججك . ولكننى أعود أنظر إلى هيكل قدسك " ... بهذا الإيمان رأى يونان نفسه خارج الحوت ، ينظر إلى هيكل الرب ...
وبهذا الإيمان استطاع أن يحول صلاته من طلب إلى شكر ، وهو ما يزال بعد فى جوف الحوت العظيم .. فختم صلاته بقوله " أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك ، وأوفى بما نذرته . للرب الخلاص " ( 2 : 9 ) .
كيف تأكدت أيها النبى القديس من أن الرب قد سمع صوتك ، وقد استجابك ، وقد سمح أن تخرج من بطن الحوت ، وتعود مرة أخرى تنظر إلى هيكله ؟؟ أين منك هذا الهيكل وهو بعيد فى أورشليم ، بينما أنت فى جوف الحوت ، فى مكان ما من البحرلا تستطيع تحديده ؟! ولكن النبى يجيب :
أنا واثق تماما أننى سأخرج من بطن الحوت ، وأكمل رسالتى ، لأن كلمة الله لا تسقط ولا ترجع فارغة
عجيب جدا هذا الرجل فى إيمانه ، إنه حقا رجل الإيمان العميق الذى اختاره الرب ... لا ننكر أن ضبابا قد اكتنفه فأخطأ إلى الله ، ولكن عنصره ما يزال طيبا .
إنه يرى المستقبل الملىء بالرجاء قائما كأنه الحاضر ، ويشكر الرب على خلاص لم ينله بعد من جهة الزمن ، ولكنه قد ناله فعلا من جهة الكشف الخاص بموهبة النبوة ، الخاص بالرجل المفتوح العينين ، الذى يرى رؤى الرب كأنها فى كتاب مفتوح ، ويتمتع بمواعيده قبل أن تأتى ...
وإذ وصل ايمان يونان إلى هذا الحد العجيب ، أمر الرب الحوت فقذفه إلى البر ..
كان سير هذا الحوت بإحكام عظيم ، وفق خطة إلهية مدبرة تدعو إلى الأطمئنان ، ظهر فى الوقت المناسب ، وفى المكان المناسب ، لكى يحمل يونان فى داخله كما لو كان هذا النبى ينتقل من سفينة مكشوفة يمكن للأمواج أن تغطيها وتغرقها ، إلى سفينة مغلقة محصنة لا تقوى عليها المياة ولا الأمواج . وفى الوقت المناسب قذف يونان إلى البر فى المكان الذى حدده الرب لنزوله . ثم جاز مقابله بعد أن أدى واجبه نحوه على أكمل وجه ...
هنيئا لك يا يونان هذه الغواصة البديعة ، التى عشت فى أحضانها فترة ، أعادتك إلى طقسك وإلى رسالتك ...
نقلب هذه الصفحة من قصة يونان ، كأنها لم تحدث ،وكأن هذين الإصحاحين الأولين من السفر قد نسيهما الرب ،فعاد يقول ليونان مرة أخرى " قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ، وناد عليها المناداه التى أنا مكلمك بها ...