بعد العيد ما يفتلوش كعك - للقمص مرقص عزيز
بعد العيد ما يفتلوش كعك :لا تزال تتردد علي الأفواه هذه الكلمات ( بعد العيد ما يفتلوش كعك ) . و معناها واضح لا يحتاج الي ايضاح يفهمها الطفل الصغير قبل الرجل الكبير و هو ان العيد هو فرصه لعمل الكعك فاذا مر العيد و مباهجه و استعداده دون ان يعمل فيه الكعك فلا ينتظر ان يعمل بعد العيد . و لذلك تري هذه الكلمات يرددها كل واحد منا عندما يري صاحبه يريد تفويت الفرصه عليه .
و مع ان هذه الكلمات الحكيمه كثيره الورود علي الأفواه الا أنها قليله العمل بها و اذا عمل بها أحد فعمله يكون قاصرا علي الناحيه الماديه المنحطه حسب ظاهرها الحرفي فينتهز فرصه الكعك و ما اليه من شهوات البطن و أشباع النهم الذي لا يقدم بل يؤخر تقدمها و يحدها بالموت الذي يأتي عن طريق التخمه وليده الشر .
أن هذه الحكمه و أن وضعت في قالب من قوالب الكعك و البسكويت فهي ككل الأمثال التي توضع في قوالب ماديه مشاهده ملموسه الا انها تحمل في جوفها أسمي المعاني الروحيه السماويه . فمهما سال لعاب النهمين عند ذكر هذه الحكمه و مهما ركز البعض عقولهم و أفكارهم علي حرفيه الكعك فأنها تعني أغتنام الفرصه أو أفتداء الوقت علي حد قول الرسول ( فأنظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الأيام شريره ) . فالكعك هنا هو الوقت . هو الفرصه . هو الآن و أفتداؤه هو أغتنامه فالكعك نشيريه أو نغتنمه بطريق البذل . هكذا الوقت أو الفرصه نغتنمها أو نقتنصها من يد عدو الخير و ذلك بالبذل و التضحيه و الحذر .
و هل يكسب الأنسان شيئا دون أن يبذل في سبيله مجهودا أو شيئا آخر قال السيد المسيح في أمثاله المشهوره ( تاجر يطلب لآليء حسنه فلما وجد لؤلؤه واحده كثيره الثمن مضي و باع كل ما كان له و أشتراها ) و ما الفرصه الا لؤلؤه ثمينه يجب أن نشتريها أو نقتنصها من قبضه الكسل و الخمول و الأهمال لنجعل منها خادما للخير و الصلاح و الأجتهاد . و قد أوضح الوحي الألهي ضروره و أسباب أنتهاز الفرصه بقوله ( لأن الأيام شريره ) . لأن سوق الفضيله فيها كساد و السماسره الذين يروجون للرذيله كثيرون و كثيرون جدا . حتي أن بعض دعاه الفضيله قد انحازوا الي جانبهم عندما علموا ان ( العالم كله قد وضع في الشرير ) فسلموا رايه سيدهم و نكسوا علم الفضيله و رفعوا عنه علم ابليس . علم الرذيله و الفساد. و قالوا مالنا و للبضاعه الكاسده التي يعاقب كل من يتاجر بها و التي لا تتفق مع مصلحه رئيس هذا العالم ( ابليس ) .
و ما لنا نعرض أنفسنا لمقاومه و اغلاق الأبواب في وجوهنا . فراحوا يحولون دفه الحياه الي اتجاه لا تعاكسه أنواء الشيطان عدو الخير منتهزين كل فرصه لأشباع الشهوات و ما أكثر هذه الفرص التي يقدمها لهم عدو الخير لأنه قيل أن الأيام شريره . و ما أكثر الناس الذين يظنون كما كان يظن القديس أوغسطينوس قبل توبته أن الأوقات و الحياه قد جعلت للملذات الجسديه حتي كان جالسا ذات يوم في حديقه المنزل يفكر في شروره فسمع هاتفا يقول له ( خذ و أقرأ ) فقرأ في الكتاب المقدس ( لا بالبطر و السكر . لا بالمضاجع و العهر لا بالخصام و الحسد ) و من تلك الساعه قرر أن يعيش حياته لله . فلا يقال ان فلان أغتنم الفرصه أو أفتدي الوقت اذا كانت الفرصه أغتنمت في الأكل و الشرب و الشهوات و الوقت صرف في فعل الشر لأن الأيام شريره و الوقت في قبضه الشيطان . و لكن اذاما أقتنصنا الفرصه و الوقت من قبضه الشرير و صرفناها في فعل الخير فهذا يدعي أنتهازا للفرصه و أفتداء للوقت بمعني أننا أنقذنا ساعه أو يوما من يد الشرير و صرفناها في فعل الخير و الصلاح . و الا فكيف نقول أننا أفتدينا فلانا من الموت اذا كنا علقناه بأيدينا في حبل المشنقه فكل فرصه نصرفها في الكسل و الشر فهي فرصه ضائعه و وقت مقتول .
ان الفرصه المغتنمه هي ما كانت للتوبه عن الخطيه و الشر و العوده الي البر و الصلاح كما يقول النبي ( فأنه وقت لطلب الرب ) و كما يقول الرسول ( في وقت مقبول سمعتك و في يوم خلاص أعنتك . هوذا الآن وقت مقبول . هوذا الآن يوم خلاص ) و قوله ( هذا و أنكم عارفون الوقت . أنها الآن ساعه لنستيقظ من النوم فأن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا . قد تناهي الليل و تقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمه و نلبس اسلحه النور . لنسلك بلياقه كما في النهار ) .
و لما كانت الحياه غير معروفه المدي و لا في ايه ساعه من ساعات نهار الحياه نموت كانت الساعه التي نحن فيها و اللحظه التي نحياها هي الفرصه التي أن ننتهزها في غير تسويف و لا أبطاء فهوذا أهل نينوي قد أنذرهم يونان النبي بأن الله سيدمر مدينتهم بعد أربعين يوما اذا كانوا لا يتوبون فلم يؤجلوا التوبه يوما واحدا مع ان لهم مهله أربعون يوما . بل قاموا في الحال و لبسوا المسوح و رقدوا علي التراب في صوم و صلاه منتهزين الفرصه و مغتنمين الوقت و صرفوه في التوبه و طلب الغفران و خافوا من الوقوع في الخطأ الفظيع الذي يقع فيه الكثيرون ممن اعتادوا تسويف الأمور . الذين لا يدركون أن الخطر و كل الخطر في أن يهملوا الأمر ثم يحاولون بعد ذلك أن يساوموا الأيام في استرداده . أذا ناداك الله للتوبه فلا تؤجل الي الغد لأن بعد العيد لا يفتلون كعكا . فبعد فوات الوقت لا يقدمون توبه . فهوذا الآن وقت مقبول لأن الغد غير مضمون و أنت لا تدري متي تدركك المنيه و تحضرك الوفاه و يعاجلك الموت . فاذا جعلت (الآن ) يمر و الفرصه تضيع دون أن تلبي النداء للتوبه يأتي وقت تطلب التوبه بدموع كما طلبها عيسو فلا تجدها . فالله يقول لك ( الآن ) هو الوقت المقبول . ( الآن ) هو وقت الخلاص .
قيل أن أحد القواد الرومان ثار علي الأمبراطور و بعد أحدي الحروب أخذ القائد أسيرا و جيء به أمام الأمبراطور فقال له (أني أمنحك عفوي و أردك الي مقامك و أرجع اليك سيفك و أمتيازاتك اذا أقسمت لي بشرفك العسكري يمين الأخلاص و الولاء ) فقال له القائد ( أعطني وقتا لأتأمل و أفكر) فقام الأمبراطور و رسم بسيفه دائره حوله و حول القائد و قال له ( الآن قبل أن تخرج من هذه الدائره أعطني جوابك فأما قلبك أو تؤخذ روحك منك ) … و اذا ما شدد الله علينا و ضيق الحصار و رسم بسيف عدله حولنا دائره ضيقه و قال ( الآن ) هو الوقت المقبول فما ذلك الا لفرط رحمته و شفقته علينا لأنه يعلم أن ( الآن ) الذي نتنفس فيه هو الذي نضمنه . أما ما يأتي بعده فغير مضمون . لذلك يشدد علينا قائلا ( الآن ) …
طلب طيباريوس قبل أن يكون قيصرا مقابله ديوجانيس الفيلسوف فأجل ديوجانيس هذه المقابله الي سبعه أيام و في هذه الأثناء صار طيباريوس قيصرا فراح ديوجانيس يترامي علي أعتابه و يطلب المقابله فرفضت الي الأبد و صار ديوجانيس شريدا طريدا . و اليوم يعلن الله قائلا أنني أطلب من الجميع أن يتوبوا و سأتغاضي عن أزمنه الجهل فاذا لبينا الدعوه صرنا مقبولين لديه و أن قلنا غدا أو بعد غد أو عندما يذهب الشباب و تحل الشيخوخه حينئذ نتوب فيأتي الموت بغته و يختطفنا في غير أمهال . نطلب التوبه فلا نجدها نرجو الملاقاه فنحرم الدخول و ترن في أذاننا تلك الحكمه المأثوره ( بعد العيد مافيش فتل كعك )
لقد صور القدماء الفرصه علي هيئه امرأه لها شعر طويل مدلي علي وجهها . اما قفاها فأصلع بدون شعر يسترسل علي ظهرها و هم يريدون بهذه الصوره أن يعلموا الناس أن الفرصه يجب أنتهازها عند أقبالها حيث نستطيع جذبها من مقدمها . اما اذا مضت و ولت فلا يمكن استرجاعها اذ لا شعر في قفاها يمكن جذبها منه .
هناك شباب ينهمك في جمع المال و ينتظر الوصول الي أرقي الدرجات و يؤجلون زواجهم في الشبوبيه حتي يحصلوا علي ما يرغبون فتكون النتيجه كالتي أصابت ذلك الشاب الذي نزح الي امريكا و هناك جد و أجتهد حتي جمع ثروه طائله و عاد الي بلاده و أخذ في أقامه الحفلات الساهره و كله أمال أن تقبل الفتيات عليه و يلتففن حوله لكثره أمواله و وفره غناه . نعم وجد أقبالا علي موائده و أيادي تمتد و أفواه وشفاه تنفرج لتناول اطعمته و لكنه لم يجد فما يقع علي وجنتيه و لا قلبا خفق لرؤيته الأمر الذي ادهشه و كسر قلبه فتساءل عن هذا الصدود فقيل له لقد أكتسبت اموالا طائله و لكنك فقدت الشباب رأس المال الحقيقي في نظر الشابات . فلا تعجب اذا كنت لا تري منهن شغفا بك و ميلا اليك لأنه ( بعد العيد ما يفتلوش كعك )