الصلاة هى عمل القلب، سواء عبَّر عنها اللسان أو لم يُعبِّر. إنها رفع القلب إلى اللَّه، وتمتُّع القلب باللَّه. والقلب يتحدَّث مع اللَّه بالشعور والعاطفة، أكثر مِمَّا يتحدَّث اللسان بالكلام. ورُبَّما يرتفع القلب إلى اللَّه بدون كلام. لذلك فإنَّ حنين القلب إلى الله هو صلاة. ومشاعر الحُب نحو اللَّه هى صلاة. والصلاة كما قُلنا هى الصِّلة بين اللَّه والإنسان. وإن لم توجد هذه الصِّلة القلبية فلن ينفع الكلام شيئاً. إذن هى مشاعر فيها الإيمان، وفيها الخشوع، وفيها الحُب.
الصلاة هى تدشين للشفتين وللفكر، وهى تقديس للنَّفس. وأحياناً هى صُلح مع اللَّه ... فالإنسان الخاطئ الذي يعصى اللَّه ويكسر وصاياه، يشعر أنه توجد خصومة بينه وبين اللَّه. فلا يجد دالة للحديث مع اللَّه. فإن بدأ يُصلِّي، فمعنى هذا إنه يريد أن يرجع إلى اللَّه ويصطلح معه ... وبالصلاة يتسحي أن يخطئ بعد ذلك، ويحب أن يحتفظ بفكره نقيَّاً. فهو إذن يصل إلى استحياء الفكر. وهذه ظاهرة روحية سليمة. وكُلَّما داوم على الصلاة، يدخل فكره وقلبه في جوٍ روحي
الصلاة الروحانية تكون أيضاً بخشوع أمام اللَّه. إن محبَّتنا للَّه لا تمكن أن تنسينا هيبته وجلاله ووقاره. وهكذا في خشوعنا ندرك أدب الحديث مع اللَّه.
والصلاة الطاهرة تكون بإيمان وبعُمق وفهم. إذ يؤمن المُصلِّي أن اللَّه يسمع ويستجيب مادامت صلواتنا حسب مشيئته. كذلك في صلاته يقول كل كلمة بفهم ويقصد كل أعماقها. وهو يُصلِّي من عُمق قلبه ومن عُمق احتياجاته ومن عُمق فكره. وهذه الأعماق تمنح الصلاة حرارة
درِّب نفسك على إطالة الوقت في الوجود مع اللَّه. وما أجمل قول داود النبي في المزمور: " محبوب هو اسمك يارب، فهو طول النهار تلاوتي ". وهنا اسأل نفسك: كم من الوقت تقضيه مع اللَّه في يومك؟ مقارناً ذلك بالأوقات الكثيرة التي تقضيها في أحاديث وترفيهات لا تفيدك شيئاً. ولا تجعل الوقت الذي تقضيه مع اللَّه في نهاية مشغولياتك، بل في قمة مشغولياتك
وأخيراً، إن كنت لم تصل بعد إلى الصلاة الطاهرة الروحانية المركزة، فلا تمتنع عن الصلاة لهذا السبب. بل تدرَّج حتى تصل إلى كمال درجة الصلاة. والمعروف جيداً أنك تتعلَّم الصلاة بالصلاة.
كذلك حاول أن تستمر في الصلاة، كُلَّما أردت أن تنهيها، مشتاقاً أن تبقى في الجو الروحي الذي للصلاة، غير مفضلٍ عليها أيَّة مشغولية أخرى ... واللَّه الذي قبل صلوات الأبرار، هو يقبل صلواتك أيضاً.