الحيـاة المثمـرة
بقلم: قداسة البابا شنودة الثالث
الإنسان الصالح لابد أن يكون لصلاحه ثمر يدل عليه. ثمر في حياته, وفي معاملاته, وفي كل أعماله وانجازاته.. هذا بعكس أشخاص كثيرين يعيشون ويموتون دون أن يكون لحياتهم أي أثر أو ثمر وتنتهي سيرتهم وكأنهم لم يولدوا.
** إن الاشخاص الروحيين لابد أن يكون لهم ثمر روحي في حياتهم وفي حياة غيرهم من الناس الذين يتصلون بهم وكلما تعمقت حياتهم الروحية فعلي هذا القدر يزداد ثمرهم ويستمر.
والثمر يدل علي نوعية الإنسان فكما أن الشجرة الجيدة تنتج ثمارا جيدة والشجرة الرديئة تنتج ثمارا رديئة هكذا الناس ايضا من ثمارهم تعرفونهم.
** الإنسان الطيب تظهر ثمار الطيبة في حياته: في بشاشة الوجه, وسماحة التعامل, وفي الكلمة الطيبة, والابتسامة المشرقة, وفي هدوء الطبع, وفي حسن التعامل بعكس الشخص القاسي الذي تظهر ثمار قسوته في غضبه وفي ثورته, وفي ألفاظه القاسية وفي نوعية معاملاته الشديدة فلا يقل أحد عن مثل هذا الشخص أنه علي الرغم من غضبه له قلب أبيض! فالقلب الأبيض لابد أن يكون ثمره في دماثة الخلق
وفي رقة الطبع.
* والآن ايها القارئ العزيز ما هي ثمار حياتك التي يحكم بها الناس عليك؟ وايضا يحكم بها الله؟ ما هو الثمر الذي يصاحبك في حياتك الاخري حينما تقف امام الله في اليوم الأخير؟ ما هي الثمر الذي يحكم به عليك المجتمع ويدل علي نوعية شخصيتك؟ وما هي ثمرك في كل أنواع المسئوليات التي توليتها أو الوظائف التي شغلتها؟
** في الحياة السياسية مثلا: هناك من يختارونه عضوا في البرلمان في مجلس الشعب فتظهر ثمار عضويته واضحة للجميع في حرصه علي دراسة كل ما يعرض في المجلس, ومناقشاته الجدية وحرصه علي مصلحة الشعب وفي نفس الوقت له ثمار أخري في العناية بالدائرة التي يمثلها واهتمامه بحل مشكلات الناس والعمل علي توفير كل ما يحتاجونه باتصالات قوية مع المسئولين في الدولة وفي الجانب الآخر هناك أعضاء آخرون لا صوت لهم ولا أي عمل ولا أي ثمر وكأنهم ليسوا أعضاء في المجلس!!
** في مجال القضاء مثلا: هناك قضاة لهم أحكام في غاية الحكمة والعدل تعتبر من ثمار ايمانهم بالحق, وتصير تلك الاحكام قصصا تروي عنهم في تاريخ المحاكم ويحاكيها غيرهم, ولاتنسي علي مدي الأيام كذلك الحال مع رجال الإدارة كل منهم تظهر ثمار طباعه في طريقة تعامله مع الجماهير فمنهم من يستغل سلطته الإدارية في حل مشكلات الناس وفي استجابة طلباتهم الممكنة بروح طيبة للغاية ومنهم من يستغل سلطته الإدارية في التعالي علي الناس وإذلالهم,
وكما سبق أن قلت ذات مرة إن الموظف المتعاون يحاول أن يجد حلا لكل مشكلة, أما الموظف المعقد فإنه يعمل علي ايجاد مشكلة لكل حل. وهكذا تظهر ثمار الطباع في طريقة التعامل.
** في حياة التلمذة تظهر ايضا ثمار تعب طلاب العلم فمنهم من يظهر ثمر تعبه في نجاحه ومنهم من يظهر ثمر تعبه في تفوقه. وهكذا ما يزرعه الإنسان إياه يحصد.. نفس الوضع نراه في الكرم والبخل: الإنسان الكريم يحصد من ثمره كرمه محبة الناس ودعاءهم, بالاضافة إلي هذا أجرا سماويا. أما الإنسان البخيل فيحصد من ثمر بخله سخط الناس عليه.
** أيضا بالنسبة إلي محبة الخير. لا تكفي مجرد هذه المحبة وإنما ينبغي أن تظهر ثمارها في عمل الخير
وكما قيل عن السيد المسيح إنه: كان يجول يصنع خيرا ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب ففي محبتك للخير, لايكفي أن تقول للمحتاج كلمة دعاء طيبة, إنما بقدر إمكانك تساعده لي قدر ما تستطيع, لأن المحبة الحقيقية ينبغي أن يكون لها ثمر عملي.
** الإنسان الصالح تتعدد ثماره الصالحة في كل مكان يحل فيه, كما تظهر ثمار صلاحه في طباعه الجيدة. ومن ثماره ايضا انه ينشر الصلاح بين كل من يعاملهم فيصيرون صالحين مثله ولهم ثمار تعبر عن ذلك كالشجرة التي تطرح بذرا يصنع ثمرا كنوع الشجرة. الإنسان الصالح لايكتفي فقط بالبعد عن السلبيات وسائر الاخطاء, إنما هو دائما ايجابي في ثمار الفضيلة التي يقدمها هو نور يشرق في كل موضع فيبدد الظلمة التي تكتنف المكان إن وجدت.
إن الله ـ تبارك اسمه ـ قد منحنا الحياة لتكون حياة مثمرة ويكون ثمرها مستمرا ومنتشرا ويكون كله جيدا غير أن بعض الناس ـ للاسف الشديد ـ تختلط في حياتهم الثمار الرديئة مع الثمار الجيدة فتوجد في حياتهم فضائل وشرور أعمال صالحة وأعمال خاطئة, وفي حياتهم ضعفات يمكن لثمارها الرديئة أن تعكر ثمار الفضائل التي فيهم والمفروض في الإنسان أن يكون نقيا من كل ناحية.
** ومن بين الهالكين في يوم الدين قد نجد شخصا قد هلك بسبب ثمر واحد خاطئ في حياته, كالخيانة مثلا أو الظلم أو النجاسة أو محبة المال أو ما شابه ذلك, لذلك علي كل شخص ان يتعرف تماما علي نقطة الصعف التي فيه التي قد تهلكه ويحاول أن يتخلص منها. ذلك لأن الهالكين ليسوا هم التي حياتهم كلها شرورا واثمارا رديئة. بل ثمر رديء واحد يكفي لهلاك الإنسان. كما أن آفة واحدة قد تفسد الزرع كله علي الرغم من وجود ثمار جيدة فيه.
والحياة المثمرة قد تبرز فيها صفة معينة تكون سببا لشهرتها ونفع المجتمع كله بسببها فهناك حياة لها ثمرة في العالم أو في الاختراع وهذا الثمر ينفع المجتمع كله أو ربما العالم أجمع أو حياة لها ثمر بارز هو القدوة الصالحة ذات التأثير الجيد العميق في الآخرين أو حياة لها ثمر واضح في القيادة أو البطولة أو الشجاعة يفخر المجتمع بأمثولتها الطيبة أو حياة لها ثمر في الذكاء والحكمة ونتائج هذا كله أو حياه لها ثمر في النجاح الواضح من جهة كل أعمالها ومسئوليتها والمهم أن يكون للحياة ثمر يبرر وجودها ويبرهن علي فائدتها. ليكن لك إذن ثمر في حياتك يتفق مع طبيعتك ومع الهدف الذي تسعي إليه واحذر كل الحذر من أن تكون حياتك غير مثمرة.
نقلا عن جريدة الأهرام