نبي ..الرجاء
أشعياء
:02:
ومعنى الاسم ((الرب يخلص)) وهو النبي العظيم الذي تنبأ في يهوذا في أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا- ملوك يهوذا.
ويرجّح أنه عاش إلى أن جاوز الثمانين من العمر، وامتدت مدة قيامه بالعمل النبوي إلى ما يزيد عن الستين عاماً . وكان اسم أبيه((آموص)) (أش 1: 1) ويقول التقليد العبري أن آموص هذا كان أخ أمصيا ملك يهوذا.
ويتضح من تاريخ أشعياء أنه كان يسهل عليه الدخول إلى ملوك يهوذا والتحدث إليهم، ولذا فقد ظن بعضهم أنه لا بد كان من دم ملكي أو على الأقل كان ذا ثروة طائلة. وواضح أيضاً أنه كان على ثقافة عالية. ويدل تاريخه على أنه كان يقطن أورشليم وأنه كان يعرف الهيكل والطقوس التي كانت تجري فيه تمام المعرفة.
وفي سنة وفاة عزيا الملك(سنة 740 ق. م . تقريباً) رأى أشعياء في الهيكل رؤيا فيها رأى الله وسمع دعوة الله له للاضطلاع بالعمل النبوي(أش 6: 1- 7) ويدعو أشعياء امرأته بالنبيّة(أش 8: 3) وقد أعطي ولداه اسمين رمزيين أحدهما((شآر يشوب)) أي((البقية ترجع)) (أش 7: 3) والثاني((مهير شلال حاش بز)) أي((يعجل السلب ويسرع النهب)) (أش 8: 1). وفي سنة 736 ق. م. تقريباً وعد أشعياء الملك آحاز بأن الله سينقذ يهوذا من الهجوم المزدوج الذي يشنه إسرائيل، المملكة الشمالية، وآرام، على يد آشور ولكنه في نفس الوقت أنذر بأن آشور ستخرب يهوذا أيضاً (أش ص7).
وبما أن آحاز رفض أن يقبل تعاليم أشعياء فقد سلّم النبي شهادته ورسالته لتلاميذه(ص 8: 16) ويظهر أنه اختفى من الحياة العامة إلى حين. أما حزقيا الملك فقد أبدى قبولاً لرسالة أشعياء. ولما مرض حزقيا تنبأ أشعياء بشفائه(أش ص38). ولما أظهر حزقيا رسل مردوخ بلادان، ملك بابل ، على كنوزه أنذره أشعياء بأن هذه الكنوز والأسرة الملكية في يهوذا ستحمل جميعها في يوم ما إلى بابل (أش ص 39). وقد أخمدت جيوش سرجون الثاني ملك آشور ، في سنة 711 ق. م. ثورة قامت في أشدود(أش 20: 1).
وقد قاوم أشعياء أي تحالف مع مصر ضد آشور (أش 20 و30 و31) وقد مثل هذا الإنذار تمثيلاً حياً واقعياًَ بأن سار حافي القدمين وليس عليه من الثياب سوى ثيابه الداخلية تشبهاً بما كانوا يفعلونه مع الأسرى(أش 20: 2- 4) ولكن بالرغم من احتجاجات أشعياء (أش 14: 29- 32) فإن يهوذا تحالف مع الفلسطينيين في شق عصا الطاعة على سنحاريب الذي خلف سرجون على عرش آشور . فأتى سنحاريب وأخذ معظم مدن يهوذا وحاصر أورشليم وقد تنبأ أشعياء أثناء الحصار بأن الرب لا بد منقذ المدينة. وفعلاً اضطر سنحاريب إلى الانسحاب وقد ضرب ملاك الرب جيش الآشوريين ومات عدد كبير منهم وربما وقعت ضربة الله عليهم في شكل وباء حصد الكثيرين منهم(أش ص 37).
ويذكر سفر ((صعود أشعياء)) وهو واحد من الأسفار غير القانونية أن أشعياء مات منشوراً بالمنشار تنفيذاً لأمر الملك منسى. ويعتقد البعض أن في الرسالة إلى العبرانيين ص 11: 37 إشارة إلى استشهاد أشعياء، ولذا فربما كان دم أشعياء النبي من ضمن الدماء الزكية التي أراقها منسى في أورشليم(2 ملو 21: 16).
ويعتبر أشعياء أعظم أنبياء العهد القديم قاطبة وذلك من عدة وجوه. فأسلوبه الأدبي الرائع يعتبر أجمل ما ورد في العهد القديم. وعدد المفردات التي يستخدمها أشعياء يفوق أي مقدار في اي من أسفار العهد القديم. وغالبية سفر نبوات أشعياء شعر عبري راقٍ. وبافضافة غلى سفر نبواته فقد ورد في 2 أخبار 26: 22 أنه كتب حياة الملك عزيا .
وقد كتب حياة للملك حزقيا في سفر يدعى(( رؤيا أشعياء)) (2 أخبار 32: 32). ولم تحفظ لنا هذه الأسفار التاريخية. ولكنها ربما كانت ضمن المصادر التي استقى منها كتّاب أسفار الملوك واخبار الأيام الكثير من معلوماتهم . وكان أشعياء مصلحاً اجتماعياً . ففي الاصحاحات من 1- 5 نراه يلوم شعبه أشد اللوم، ويوبخهم أقسى التوبيخ بسبب رشوتهم وتعويجهم القضاء وظلمهم للمسكين(ص 1: 23) ولأجل بذخهم وترفهم(ص 3: 16- 24) ولأجل طمعهم وجشعهم وسكرهم(ص 5: 11- 12) ولأجل انعدام الإحساس الخلفي عندهم(ص 5: 20).
أما كسياسي فقد أدرك أشعياء تمام الإدراك وبإرشاد روح الله شؤون عصره والأحوال التي كانت سائدة فيه. فقد رأى سقوط دمشق قبل وقوعه ، وتنبأ عن سقوط السامرة قبلما سقطت. وكذلك تنبأ بامتداد سلطان الآشوريين على الشرق الأوسط(أش ص7).
ورأى في المستقبل البعيد بابل والخطر المحدق منها بيهوذا (أش ص 39). وقد أدرك أن ليس من الحكمة في شيء أن يعتمد يهوذا على مصر في معاونته ضد آشور(أش ص 30 و31) وقد علَّم أشعياء بقوة أن الرب وحده هو سند الشعب ومعتمده وحليفه(أش ص 37). أما آراء أشعياء اللاهوتية فقد ارتفعت إلى السماء الأعلى. فآراؤه عن الله سامية للغاية.
فقد رأى الله المثلث القداسة ((قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض)) (أش 6: 3) ومن ضمن عباراته التي يتميّز بها سفره هو وصفه لله بأنه((قدوس اسرائيل)) (أش 1: 4) وكذلك علم بوضوح أن للعالم كله الهاً ورباً واحداً الاله الحقيقي وحده، والاله الذي ستعترف به كل الأمم في النهاية(أش 2: 2و3).
وإذ نظر أشعياء إلى المستقبل أمكنه بروح الوحي والإعلان أن يخترق حجب الزمن وأن يرى خلاص البقية الأمينة(أش 1: 9). ولكثرة نبواته عن المسيا(انظر مثلاً أش 9: 6 و7) فقد اعتُبر ((النبي الإنجيلي)) وتقتبس نبواته في العهد الجديد أكثر مما يقتبس أي سفر آخر في العهد القديم. سفر أشعياء:
ويمكن تقسيم سفر أشعياء إلى سبعة أقسام رئيسية وهي كما يأتي:
(1) من الإصحاح الأول إلى الإصحاح الثاني عشر.
ويشمل هذا القسم نبوات عن مملكة يهوذا ومملكة اسرائيل ويشمل نبوات نطق بها في مناسبات متنوعة من سنة 740 ق. م. تقريباً إلى سنة 701 . وفي هذا القسم نجد : أ : مقدمة(ص 1) ب: نبوة على أورشليم (ص 2- 4) ونبوات أخرى عن آثار القضاء الذي يحل بها ومجد عصر المسيا. ويرجَّح أن النبي نطق بهذه النبوات في زمن عزيا الملك وكان زمن نجاح وتقدم وازدهار لشعب يهوذا(ص 5).
جـ: رؤيا مجد الرب التي رآها في الهيكل (ص 6) وهي تتصل بالقسم الخاص بعمانوئيل(ص 7- 12). (2) من إصحاح 13- 23 ويشمل عشر نبوات عن الأمم ويقمها إصحاح 20 الذي يتكلم عن العلاقات الدولية ذات الأهمية العظمى في ذلك الحين، إلى قسمين: يشمل القسم الأول منها خمس نبوات ويشمل القسم الثاني خمس نبوات أخرى. (3) .
من إصحاح 24- 27 نرى في هذا القسم صورة حيّة ناطقة للقضاء الذي يقع على أمم العالم جمعاء(ص 24) ويعقبه انتصار يهوذا والبركة التي تحلُّ عليه(ص 25- 27). (4).
من إصحاح 28- 33 وهو عبارة عن مجموعة من الرسائل معظمها يختص بالعلاقة بيهوذا وآشور. الجزء الأول منها يوبخ قصر النظر في التحول عن آشور والاتكال على مصر لأجل المعونة، والجزء الأخير ينبىء بالشقاء الذي يحل على أورشليم ويهوذا بسبب إهمالهما لتحذيرات أشعياء وإنذاراته. ثم ينبىء بالخلاص الذي يعقب هذا الشقاء. (5) .