Ghada فنانـــــة المنتــــدى
عدد الرسائل : 16804 تاريخ التسجيل : 21/04/2007
| موضوع: الوداعة ودماثة الخلق الجمعة 10 أكتوبر 2008 - 7:49 | |
| الوداعة ودماثة الخلق بقلم: البابا شنودة الثالث
من هو الإنسان الوديع.. وما صفاته وبناء شخصيته؟ ** الانسان الوديع هو الشخص الطيب المسالم. وكثير من الناس يستخدمون صفة الطيب بدلا من صفة الوديع. وهو عموما إنسان هادئ بعيد عن العنف. هو هادئ في طبعه، هادئ الأعصاب، وهادئ الألفاظ والملامح، وهادئ الحركات، فالهدوء يشمله كله من الداخل والخارج، فهو هادئ في قلبه ومشاعره، وهادئ أيضا في تعامله مع الآخرين، ويتصف بالحلم فهو حليم في أخلاقه. ** وقد قيل عن السيد المسيح في وداعته إنه لايخاصم ولايصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ، فهكذا يكون الوديع بعيدا عن الصخب والضوضاء، لايصيح، بل حينما يتكلم، يتصف كلامه بالهدوء واللطف، يختار ألفاظه بكل دماثة وأدب، لا يجرح بها شعور انسان أيا كان، حتي إن كان ذلك الشخص مثل فتيلة مدخنة، لايطفئها، فربما تمر عليها ريح فتشعلها. ** يعمل كل ذلك ـ لا عن ضعف ـ وإنما عن لطف
يذكرني هذا الأمر بقصيدة كنت قد نظمتها منذ نحو56 عاما في يوم الاربعين لأستاذ وديع كنت أحبه وقلت فيه: ياقويا ليس في طبعه عنف.. ووديعا ليس في ذاته ضعف ياحكيما أدب الناس وفي.. زجره حب وفي صوته عطف
لك اسلوب نزيه طاهر.. ولسان أبيض الألفاظ عف لم تنل بالذم مخلوقا ولم.. تذكر السوء إذا ما حل وصف
إنما بالحب والتشجيع قد.. تصلح الأعوج والأكور يصفو *** ** الإنسان الوديع يكون أيضا بعيدا عن العنف وعن الغضب. لاينتقم لنفسه، ولايحل مشاكله بالشدة، بل إن حدث وأساء اليه أحد، يقابل ذلك بالاحتمال والصبر. ** والانسان الوديع لايقيم نفسه رقيبا علي الناس وتصرفاتهم. ** والإنسان الوديع يكون دائما سهل التعامل مع الغير. يستطيع كل شخص ان يأخذ معه ويعطي.. إنه سهل في نقاشه وحواره.
لايحتد ولايشتد.. ولايستاء من عبارة معينة يقولها من يحاوره.بل يشعر المتناقش معه براحة مهما كان معارضا له، يعرف أنه سوف لايغضب عليه، وسوف لايحاسبه علي كل لفظ مما يقوله. ** الانسان الوديع هو شخص واسع الصدر، حليم طويل البال، وهو إنسان بشوش، لايعبس في وجه أحد، له ابتسامة حلوة محببة الي الناس، وملامح سمحة مريحة لكل من يتأملها. لاتسمح له طبيعته الهادئة ان يزجر أو يوبخ أو يحتد أو يشتد، أو أن يغير صوته في زجر انسان. ** ومهما عومل، لايتذمر ولايتضجر ولايشكو، بل غالبا ما يلتمس العذر لغيره، وفي ذهنه يبرر مسلكه، ولايظن فيه سوءا، وكأن شيئا لم يحدث، فلا يتحدث عن إساءة الناس اليه، ولايحزن بسبب ذلك في قلبه، وإن حدث وتأثر بسبب ذلك أو غضب سرعان ما يزول تأثره. ولايمكن ان يتحول حزنه أو غضبه الي حقد، بل ما أسرع أن يصفو. ** إنه إنسان بطيء الغضب، لايغضب لأي سبب. أما إذا غضب الوديع، فلابد أن أمرا خطيرا قد دعاه إلي ذلك، وغالبا ما يكون غضبه لأجل الخير ولأجل الغير، وليس لأجل نفسه أو بسبب كرامته أو حقوقه الشخصية.. وإذا غضب الوديع فإنه لايثور ولا يفقد أعصابه، إنما يكون غضبه هو مجرد تعبير عن عدم موافقته وعدم رضاه عما يحدث. فهو عموما أعصابه هادئة، وإذا انفعل لايشتعل. ** والانسان الوديع هو بطبيعته مسالم، لاينتقم لنفسه.
لايقابل الشر بمثله، ولايرد علي السيئة بما يشبهها، إنما هو كثير الاحتمال، لايدافع عن نفسه، بل غالبا ما يدافع عنه غيره، موبخين من يسيء اليه بقولهم ألم تجد سوي هذا الانسان الطيب لكي تسئ اليه؟!. فالوديع لايؤذي أحدا، ويحتمل أذي المخطئين.. ** والوديع له سلام في داخله، فلا ينزعج ولايضطرب. فكل المشاكل الخارجية لاتستطيع ان تعكر صفوه الداخلي. وكما قال أحد الآباء سهل عليك أن تحرك جبلا من موضعه، وليس سهلا ان تثير انسانا وديعا.
والوديع لايصطنع الهدوء، إنما كما خارجه، هكذا داخله أيضا. إنه كصخرة أو جندل في نهر، مهما صدمته الأمواج لايتزعزع. ** والوديع بعيد عن المجادلة والمحارنة، أو ما يسميه العامية( المقاوحة في الكلام)، لأنه لايجاهد لكي يقيم كلمته أو لكي ينتصر في المناقشات، إنما هو يقول رأيه ويثبته، وليقبله من يشاء ومتي يشاء، دون أن يدخل في صراع جدلي يفقده هدوءه.. ** والوديع لايوجد في تفكيره خبث ولا دهاء ولاتعقيد.. لايقول شيئا وفي نيته شيء اخر.. بل الذي في قلبه هو الذي علي لسانه. وما يقوله لسانه إنما يعبرعن حقيقة ما في قلبه، فليس عنده التواء، ولايدبر خططا في الخفاء، بل هو انسان واضح، يتميز بالصراحة، يمكن لمن يتعامل معه أن يطمئن اليه تماما. فهو شخص بسيط، لاحويط ولا غويط! ** انه يمر علي الحياة، كما يمر النسيم الهادئ علي سطح الماء.. فهو لايحدث في الأرض عاصفة ولا زوبعة، ولايحدث في البحر أمواجا ولا دوامات، فهو لايحب ان يحيا في جو فيه زوابع ودوامات لان كل ذلك لايتفق مع طبعه، ولا مع هدوئه ولا لطفه، ولا مع اسلوبه في الحياة، لذلك كل من يعاشره يلتذ بعشرته، فهو انسان طيب لا يصطدم بأحد، ولايزاحم غيره في طريق الحياة، وإن صادق في طريقه مشاكل، فإنه يمررها، ولا يدعها تمرره. * وأخيرا هناك نوعان من الودعاء أحدهما ولد هكذا، والثاني اكتسب الوداعة بجهاد وتداريب وبعمل النعمة فيه.. ** علي ان في حديثنا عن الوداعة، لايفوتنا ان ننسي ما يعطلها، فأحيانا تقف ضدها الادارة والسلطة، فالبعض يمارس الأمر والنهي، والتحقيق والمعاقبة، ويكون من واجبه مراقبة الاخرين وتصريف أمورهم، قد يفقد وداعته أحيانا، ويري في الحزم والعزم والحسم ما يبرر له العنف في بعض الأوقات. ولكن مغبوط هو الذي يحتفظ بوداعته فيما يمارس عمل السلطة ـ وهنا يبدو ان موضوعنا هذا يحتاج الي تكملة..
| |
|