إلهى إلهى لماذا تركتنى

إلهى إلهى لماذا تركتنى - لقداسة البابا شنودة‏

إلهى إلهى لماذا تركتنى؟

olor=red]"كلمات السيد المسيح على الصليب" لقداسة البابا شنودة الثالث]

هذه العبارة لا تعنى أن لاهوته قد ترك ناسوته، ولا أن الآب قد ترك الإبن ... لا تعنى الانفصال، و إنما تعنى أن الآب تركه للعذاب.

إن لاهوته لم يترك ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. بهذا نؤمن و هكذا نصلى فى القداس الإلهى.

و لو كان لاهوته قد انفصل عن ناسوته ما اعتبرت كفارته غير محدودة ، تعطى فداء غير محدود يكفى لغفران جميع الخطايا لجميع البشر فى جميع الأجيال.

و من جهة علاقته بالآب فلم يتركه الآب "لأنه فى الآب و الآب فيه" (يو 14: 11)

أما عبارة "لماذا تركتنى" فمعناها "تركتنى للعذاب ... تركتنى اتحمل الغضب الإلهى على الخطية" هذا من جهة النفس ، أما من جهة الجسد "تركتنى أحس بالعذاب و أشعر به" فقد كان ممكنا ألا يشعر بألم ، و ذلك بقوة اللاهوت ، و لكن لو حدث ذلك لكانت عملية الصلب صورية و الآلام لم تتم فعلا ، و بالتالى لم يدفع ثمن الخطية و لم يتم الفداء.

و لكن الآب ترك الإبن يتألم ، و الإبن قبل هذا الترك فمن أجل هذا جاء. كان تركا باتفاق ، من أجل محبته للبشر، و من أجل وفاء العدل الإلهى.

لم يكن تركا أقنوميا بل تركا تدبيريا "سر أن يسحقه بالحزن" (أش 53: 10)

إن عبارة "تركتنى" تعنى أن آلام الصلب كانت آلاما حقيقية. و آلام الغضب الإلهى كانت مبرحة. فى هذا الترك تركزت كل آلام الصليب و كل آلام الفداء. هنا يقف المسيح كذبيحة محرقة تشتعل فيه النار الإلهية و توفى عدل الله كاملا.

و كثير من المفسرين يرون أن الرب بقوله "إلهى إلهى لماذا تركتنى" إنما كان يذكر اليهود بالمزمور 22 الذى يبدأ بهذه العبارة. فقد كانوا "يضلون إذ لا يعرفون الكتب" (متى 22: 29) فأحالهم المسيح إلى هذا المزمور بالذات ، فقد كانوا لا يعرفون المزامير بأرقامها الحالية و إنما يسمون المزمور بأول عبارة فيه، كما يفعل الرهبان اليوم.

و ماذا فى هذا المزمور أيضا عنه؟

فيه "ثقبوا يدى و قدمى و أحصوا كل عظامى ... و هم ينظرون و يتفرسون فى ، يقسمون ثيابى بينهم ، و على قميصى يقترعون" (ع 17 و 18) و واضح أن داود النبى الذى قال هذا المزمور لم يفعل أحد به هذه الأمور ، و إنما قد قيلت بروح النبوة عن المسيح. فكان المسيح على الصليب يقول لهم: إذهبوا و اقرأوا مزمور "إلهى إلهى لماذا تركتنى" و انظروا ما قيل عنى ... ترون أنه قيل عنى أيضا "عار عند البشر و محتقر الشعب ، كل الذين يروننى يستهزئون بى ، يفغرون الشفاه و ينغضون الرأس قائلين: إتكل على الرب فلينجيه، لينقذه لأنه سر به" (ع 6-8)

و يعوزنا الوقت إن فحصنا كل المزمور. إنه صورة واضحة لآلام المسيح على الصليب. وجههم إليه "و فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو 24: 45)

كل نص المزمور بدأ يتحقق ، لذلك قال بعد حين "قد أكمل". و لكن لماذا لم يقل "قد أكمل" مباشرة بعد "إلهى إلهى لماذا تركتنى"؟

لأن هناك عبارة أخرى فى المزمور لم تكمل بعد و هى "يبست مثل شقفة قوتى ، و لسانى لصق بحنكى" (ع 15) إن هذه أيضا تحققت بعد حين عندما قال "أنا عطشان". لذلك قال بعدها "قد أكمل".

لكن لماذا قال المسيح "إلهى إلهى"؟

لقد قالها بصفته نائبا عن البشرية. قالها لأنه أخلى ذاته و أخذ شكل العبد صائرا فى شبه الناس .. و وجد فى الهيئة كإنسان" (فى 2: 7-8).

قالها لأنه "وضع نفسه و أطاع حتى الموت، موت الصليب" (فى 2: 9). إنه الآن يتكلم كإبن الإنسان، أخذ طبيعة الإنسان، و أخذ موضعه، و وقف نائبا عن الإنسان، و بديلا أمام الله كابن البشر، وضعت عليه كل خطايا البشر.

هنا ترى البشرية كلها تتكلم على فمه .. و إذ وضعت عليه خطايا كل البشر ، و الخطية انفصال عن الله ، و موضع غضب الله ، لذلك تصرخ البشرية على فمه "إلهى إلهى لماذا تركتنى؟