mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: دواعي السقوط روحياً الأحد 19 أكتوبر 2008 - 17:25 | |
| دواعي السقوط روحياً لقداسة البابا شنودة الثالث
ليس كل مُحبي الفضيلة يستمرون قائمين على الدوام في الطريق الروحي. بل كثيراً ما يسقطون شعروا بذلك أو لم يشعروا. وقد يكون السقوط أحياناً بتدريج طويل. فما هى أسباب هذا السقوط؟ وكيف ينشأ؟ وهل يستمر أم يتوقَّف؟ وهل يتطوَّر؟
?? من الأسباب الأساسية لسقوط الكثيرين، التساهُل مع الخطية. فقد لا ينظر هذا المؤمن نظرة عميقة إلى بعض التصرُّفات ظاناً أنها أمور بسيطة لا خطأ فيها، وإن عملها لا يؤنبه ضميره عليها وهكذا يُقابلها بكثير من التساهل بعدم التدقيق.
إنَّ الشيطان عندما يُوقِع أمثال هؤلاء الأبرار لا يبدأ دائماً بضربة قاضية. إنما قد يبدأ معهم بشيء بسيط ثم يتدرَّج به على مجال طويل. لقد سمَّاه أحد الآباء أنه فتَّال حبال. وحباله طويلة إلى أبعد حد. فقد يُخطط لإسقاط إنسان بخطة تتم بعد سنوات، بسياسة بعيدة المدى، تُسمَّى في الروحيات سياسة النَّفَس الطويل، بطريقة تبدو غير محسوسة. فقد يصوّر له الخير مثلاً في مكان مُعيَّن يعمل فيه. ثم يُدبِّر له في ذلك المكان علاقات تبدو بريئة تماماً. وبعد ذلك تبدأ شباكه.
?? ومن ضمن هذه الحرب الروحية، السقوط التدريجي الذي لا يُحس. كالنازل مثلاً من وادي النطرون إلى القاهرة، يجد نفسه قد نزل عدَّة أمتار إلى أسفل، في طريقٍ مستوٍ، ليس فيه هبوط مفاجئ يلفت النظر. هكذا في الروحيات ... مثال ذلك شخص هادئ وديع يزن كل كلمة تخرج من فمه وزناً دقيقاً حريصاً. ولا يسمح لنفسه أن يجرح شعور إنسان بكلمة قاسية. ثم يُعيَّن هذا الشخص الرقيق الهادئ في وظيفة كبيرة. ويقتنع أن الإدارة هى في الحسم وفي توبيخ المخطئين. فيُراقب كل هؤلاء، ويوبِّخ على كل خطأ توبيخاً شديداً يتدرَّج إلى توبيخ عنيف يتدرَّج إلى كلمات قاسية ... ويستمر هذا الأمر زمناً طويلاً حتى تتحوَّل قسوة الألفاظ عنده إلى طبع يستخدمه في مناسبة وغير مناسبة. وهنا إذا جلس إلى نفسه جلسة روحية، فاحصة، لوجد أنه فقد وداعته الأولى، وفقد رقَّته وهدوءه.
?? عن هذا الإنسان وأمثاله نقول روحياً إنهم وقوعوا فيما نُسمِّيه ( بالصحو المتأخر )! أي أنهم لم يستيقظوا لأنفسهم ويعرفوا تأخُّر مستواهم الروحي إلاَّ مُتأخِّرين، بعد أن تكون الخطية قد تمكنت منهم دون أن يشعروا.
?? ومن أمثلة التساهل مع الخطية مُعاشرة أشخاص يختلفون في المبدأ وفي الأسلوب الروحي ولهم تأثيرهم لقوة شخصيتهم. ويتساهل هذا الإنسان البار في قبول ما يسمعه منهم، وما يصدر عنهم من تصرُّفات. وقد يُسر بفكاهاتهم الخاطئة جداً ويضحك لها دون أن يشعر، وقد يُجاملهم في بعض أحكامهم على الآخرين دون أن يدرس ... وبالتدريج يجد أنه قد اقترب إلى صورتهم. وبمرور الزمن قد يصبح كواحد منهم. وهكذا بالتساهل مع الخطية يجد أنه انزلق إلى وضع ما كان يتصوَّره سابقاً.
?? ومن أمثلة التساهل مع الخطية التساهل مع الأفكار, فقد يُلقي الشيطان إلى إنسان بار بفكر خاطئ. وتكون الحكمة أن يطرد هذا الفكر فوراً ولا يتعامل معه. غير أنه قد يتساهل مع الفكر ولو بأسلوب مناقشته وإثبات ما فيه من خطأ. ولكن الفكر قد يتحوَّل معه إلى شعور. فإن تساهل مع هذا الشعور قد يتمكَّن من قلبه ورُبَّما يتحوَّل إلى شهوة وتؤثِّر على الإرادة حتى تقتلع من بِرِّه شيئاً. والحكمة تقتضي عدم التساهل مع الفكر الخاطئ. فتساهلك معه يجعله يتمكَّن منك. وتحاول أن تتخلَّص منه ولا تستطيع. ولا شك أنك كنت تقوى على هذا الفكر في بادئ الأمر.
?? ومن أمثلة التساهل مع الخطية، التساهل مع الألفاظ أثناء الكلام. يقول الإنجيل: " كل كلمة بطَّالة تخرج من أفواهكم، تُعْطُون عنها حساباً في يوم الدين ". والآباء القديسون لم يفسروا الكلمة البطالة على أنها مُجرَّد الكلمة الشريرة الواضحة الخطيئة، وإنما في تدقيقهم قالوا إن كل كلمة ليست للبنيان الروحي هى كلمة بطَّالة، لأنها لا تنفع السامع بشيء ولا تبني ملكوت اللَّه في قلبه. وهكذا كانوا لا يتكلَّمون إلاَّ كل كلمة نافعة للبنيان، حينما يرون أن كلماتهم سيكون لها نفع روحي.
أمَّا الذي يتساهل من جهة هذا المبدأ الروحي ويتكلَّم كلاماً ليس للبنيان، ما أسهل أن يتدرَّج منه إلى كلام خطيئة، سواء شعر أم لم يشعر.
?? إنَّ التدقيق لازم جداً للحياة الروحية. فالذي يمتنع عن أي خطأ مهما كان صغيراً في نظره، لا يمكن أن يقع في خطأ كبير. ومن هنا فإنَّ الذي يحتفظ بحواسه نقية طاهرة نظراً وسمعاً ولمساً، لا يمكن أن يقع في خطية عملية ضد العفة. وهنا نتذكَّر قول القديسة سارة في نصيحتها إلى أحد النُّسَّاك: " إنَّ فماً تمنع عنه الماء بصومك، لا يطلب خمراً. وإن منعت عنه الخبز لا يطلب لحماً ". وهنا يبدو التدقيق وعدم التساهُل مع الصغائر.
?? إنَّ الأشخاص الحريصين يكونون في منتهى الحزم مع أنفسهم. لهم رقابة شديدة على النَّفس: رقابة على كل فكر، وعلى كل شعور، وعلى كل إحساس، وكل تصرُّف، وكل لفظ. وهم لا يبدأون بهذا الحزم ثم يتساهلون بعد حين ويسمحون لأشياء تدخل إلى نفوسهم ثم تكبر. بل يستمر حزمهم مدى الحياة.
?? كُلَّما يتساهل الإنسان مع الخطية، فعلى هذا القدر تضعف إرادته، وتفتر محبته للفضيلة، ويقل احتراصه، ويفقد صلابته. ويزداد حينئذ تأثير الخطية عليه. وعندما يحاول الهروب منها، يجد عقبات في داخله. ولا تكون له بعدئذ هيبة روحية أمام الشياطين. لأنَّ الشيطان يبدأ بأن يجس نبض هذا المؤمن. فإن وجده متراخياً أمامه، يقبل أفكاره ويفتح له أبوابه، حينئذ لا يجد مانعاً من أن يقوِّي هجومه عليه، ويعمل على إسقاطه. | |
|