تتعدد وسائل الشيطان في حروبه . وقد يبدو أحياناً شئ من التناقض بين أسلوب وآخر . ولكن يجمعها كلها هدف واحد ، وإن كانت الوسيلة تختلف بحسب نوعية الحالة ... وعموماً فالشيطان لا يحب الوتيرة الواحدة لئلا يألفها الناس .
فهو أحياناً يضرب ضربة سريعة فجائية ، لا يكون الشخص مستعداً لها . وأحياناً يسير فى تدرج طويل ، بحيث لا يشعربه صاحبه ...
والتدرج يلزمه وقت قد يطول . ولكن الشيطان لا يهمه الوقت ، إنما يهمه السقوط والتدرج يصلح غالباً للأشخاص الذين لا يقبلون حطية معينة بسهولة . ولكنه يوصلهم إليها تدريجياً فى هدوء ، بجرعات قليلة ، أو قليلة جداً ، تزداد بالوقت ، حتى تقضى عليهم .
وقد يقسم الخطية إلى مراحل . كل مرحلة تثبت أقدامها بالوقت .
وربما تكون الخطوة الأولى إلى الخطية ، ليست خطية على الإطلاق ، ولا تتعب الضمير . فالمرحلة الأولى فى سقط داود النبى ، كانت فى عدم خروجه إلى الحرب بنفسه : يرسل الجيش ويبقى هو فى بيته . والمرحلة الثانية كانت شيئاً من الترف دخل إلى حياته ، بعد أن كان مشرداً من برية أيام مطاردة شاول الملك له ... وهاتان المرحلتان عبرهما داود دون أن يشعر بخطأ .
ولكن عوامل نفسية كانت تأخذ مجراها داخله وتفقده حرارته الروحية .
ثم دخل فى مرحلة ثالثة وهى الإكثار من الزوجات . وكان محللاً فى أيامه ، ولكنه بلا شك هبط به إلى مستوى الجسد . وإن كان مستوى الحلال ، ولكن ليس مستوى الكمال . وصار للجسد سيطرة عليه شعر أو لم يشعر . المرحلة الرابعة ، أنه صعد إلى السطح ، يتمشى ويتفرج ، ولا مانع من أن ينظر إلى مساكن غيره ، ويبصر خصوصيات الناس . وهنا بدء انحراف . المرحلة الخامسة ، كانت ضربة شديدة من الشيطان أوقعت رجل المزامير العظيم فى خطية الشهوة ، ثم فى خطية الزنا . المرحلة السادسة ، كانت التورط ، الذى أراد به إخفاء خطيئته بجملة من الخطايا أفقدته روحانيته ، وهبطت به من سئ إلى أسوأ .
وربما هذه المراحل ، كان الشيطان يعد لها منذ زمن ..
.إنه يحب - حينما يضرب الضربة - أن تصيب مقتلاً . وهذا يتطلب منه أحياناً تمهيدات طويلة المدي . بحيث حينما يأتي ، يجد البيت مزيناً مفروشاً ، مهيئاً لعمله ، ويجد الضحية جاهزة بلا مقاومة ... وحتى إن قاومت تكون بلا قدرة على الإطلاق ، فتسقط أمامه بسهولة !
إنها تشبه قصة سقوط داود ، في أنها مثلها تعطينا فكرة واضحة عن خطة الشيطان في أسلوب التدرج الطويل . وفيها استطاع ناسكاً عظيماً ، وقديساً له موهبة إخراج الشياطين . ولكن الشيطان هنا أمنه أن يضرب القديس ثلاث ضربات قاتلة ، وكاد يهلكه لولا أن رحمة الله اقتادته إلى التوبة . فكيف حدث ذلك ؟
فتاة ( إبنة ملك ) ، صراعها روح نجس . وعجز الكل عن إخراجه ، فأتوا بها إلى القديس يعقوب المجاهد . فصلي عليها فخرج الروح النجس . ولكن ما أن رجعت إلى بلدها حتى عاد إليها مرة أخري . فسافروا وأتوا بها إلى القديس ، فصلي عليها فخرج الروح . ولكن ما أن رجعت إلى بلدها حتى عاد إليها . فسافروا إلى القديس مرة ثالثة .
وتكررت لعبة الشيطان مرات عديدة ، حتى يسوا من كثرة الأسفار .
واخيراً ، قرر الملك أن تبقي الأميرة إلى جوار القديس . فبنوا لها حجرة . وكان الشيطان كلما يصرعها يدخلونها إليه . وتطور الأمر إلى أن أبقوها معه . ولما اطمأنوا على هدوئها تركوها معه . ومضوا ...
وبمرور الوقت تكونت دالة بينهما ، تطورت إلى الخطيئة . ثم حملت الفتاة منه . ورأي أن الخطية الثانية بالكذب . وقال لهم صرعها الشيطان مرة ، فانطلقت بسرعة هاربة في الجبل ولم أستطع اللحاق بها ، واختفت ... وصدقوه لأنه لم يكن موضع شك .
وهكذا ضربه الشيطان ثلاث ضربات ، واوقعه في الزنا والقتل والكذب .
كل ذلك في تدرج طويل ، ما كان أوله يوحي مطلقاً بآخره . ولكنها حيل الشيطان الذي يسبك هذه لها حكمة كبيرة وهي :
وسياسة التدرج هذه لها حكمة كبيرة وهي :
في كل خطوة يقترب الإنسان إلى جو الخطية ، ويعتاده ، ويضعف .
إرادته تكون قوية جداً ، وهو خارج مجال الخطية . وقد يكون نافراً جداً من كل مجالاتها .
وبالوقت يألفها ، ولا تصبح غريبة عليه . وبالتدرج تدخل إلى فكرة ، ثم إلى مشاعره . وفي كل خطوة تضعف إرادته عن المقاومة أحس أو لم يحس ...
ومن أمثلة التدرج الطويل موضوع العادات .
كل عادة مسيطرة على الإنسان ، لم تبدأ هكذا مطلقاً . وربما كان هو المسيطر عليها أولاً ويستطيع إبطالها . ولكن بالتدرج الطويل فقد سيطرته ، ثم سيطرت هي عليه وربما الشيطان في أول خطوة ، قال له عبارة واحدة وهي جرب أو إختبر ... الحياة كلها خبرات . والأمر كله بيدك ، تستطيع أن تمتنع وقتما تشاء . وظل به هكذا إلى أن أتي الوقت الذي فيه سلم إرادته بالتمام ولم يعد يقاوم ، بل لا يشاء أن يقاوم !!
على أن التخلص من العادات ممكن لمن يريد .
الشيطان قد يقول لك لن تستطيع . وإن استطعت ستعود إليها مرة أخري . إنها ضمن حرب اليأس . ولكن لا تستسلم . فإن العادة تكونت نتيجة عمل إرادي متكرر . ويمكن أن تتخلص منها بعمل إرادي عكسي متكرر ، أي تثبت فيه . ونصيحتنا لمقاومة سياسة التدرج هذه من جانب الشيطان ، أن تبعد عن الخطوة الأولي ، بكل حزم ، مهما كانت تبدو بريئة ، أو يقنعك الشيطان بأنها بريئة .
واحترس من كذبه ، إن قال لك إنها خطوة واحدة ولن تتطور .
إن الشيطان لا يقبل على نفسه أن يتركها عند حدود الخطوة الواحدة ، دون أن يتقدم بها باستمرار نحو أغراضه البعيدة ... فاحترس منه .
بل احترس حتى من الخطوة الأولى ، وليس فقط من تطورها ، مهما بدت هذه الخطوة في نظرك من الأمور الصغيرة . وهنا أحذرك من حيل شيطان ماكر ، هو شيطان الأمور الصغيرة