السرعة أم التروى
أيهما أفضل السرعة التي تدل علي الحزم و البت و القدرة علي أصدار القرار ، أم طول البال و التروي و الهدوء ، وما يحمله ذلك من روح الوداعة والاتزان و الصبر ..؟يجيب قداسة البابا شنوده الثالث هناك أمور تكون السرعة فيها لازمة وصالحة ، وأمور اخري السرعة تفسدها ، وتحتاج إلي التروي وطول البال …
العقوبة مثلاً : إذا كانت السرعة فيها ، لا تعطي مجالاً للفحص ، وللعدل و التدقيق ، ومعرفة مقدار الخطا وموضع المسئولية ، إن كانت السرعة في العقوبة خطأ ، ويحتاج الأمر إلي التروي . كذلك من ناحية أخري أن طول الأناة في توقيع العقوبة ، يساعد المخطئ علي التمادي ، ويستمر في أخطائه فتسوء النتائج ، ويشجع غيره علي تقليده أحساساً بأنه لا أشراف ولا ضبط ، حينئذ يكون من الواجب الإسراع بتوقيع العقاب …
إذن الأمر في الحالين يحتاج إلي حكمة ، وتقدير للظروف .
هنا يبدو الفحص واجباً ، وحتى حينما تكون السرعة في العقوبة لازمه ، ينبغي أيضاً أن يكون العدل معها متوفراً . واعطاء من تعاقبه فرصة لتوضيح موقفه والأجابة عما ينسب إليه .
علي أن هناك أمورا يجب السرعة فيها ، كالتوبة مثلاً .
الابن الضال لما رجع إلي نفسه ، وقال " أقوم ( الآن ) وأذهب إلي أبي " وقام لوقته ورجع لأبيه . لأن التوبة لا يجوز فيها التأجيل أو التأخير . والخمس العذارى الجاهلات لما رجعن متأخرات ، وجدان الباب قد أغلق ، وضاعت الفرصة .
هناك حالات في الخدمة ، ان صبرت عليها بحجة التروي و الفحص ، قد تصل إليها بعد أن تكون قد انتهت تماماً .
مثالها لمريض أن لحقته بالعلاج السريع ، امكن شفاؤه . وان تباطأت بحجة المزيد من الفحوص ، قد تصل الحالة إلي وضع ميئس . اعمل ما يلزم من فحوص ، ولكن بسرعة كم من خطاة تباطأنا في افتقادهم ، فتحول الخطأ إلي عادة ، وأتسع نطاقة ، وكم من حالات وصلت خطورتها إلي الارتداد ، وكان السبب هو التباطؤ .
كذلك المشاكل العائلية ، وبعض المشاكل المالية ، تحتاج إلي سرعة .
حالات وصلت إلي الطلاق ، وكان يمكن تداركها لو عولجت من بادئ الأمر ، قبل أن تتطور الخلافات وتتعقد ، وتصل إلي العناد ، وإلي الكراهية ، وإلي المحاكم و القضاء …
وكثير من أداء الواجبات يحتاج إلي سرعة .
ربما إنسان تتباطأ في تعزيته ، او تهنئته ، أو في زيارته في مرضه ، أو في مناسبة هامة ، يؤدي هذا التباطؤ إلي تغير مشاعره من جهتك ، ويظن انك غير مهتم به ، ويؤثر الأمر علي علاقتكما … وغن تباطأت أيضاً في مصالحته ، ربما لا تجده بعدئذ في قائمة أصدقائك !
ولكن ليس معني هذا ان السرعة هي الأفضل في كل شئ ، ومع كل أحد …
يشترط في الأجراء السريع ، أن يكون بعيداً عن الارتجال وعن الانفعال ، وإلا كا معرضاً للخطأ ومعرضاً لاعادة النظر ، فتكون سرعته سبباً في إبطائه .
وأهم من عامل السرعة ، عامل الاتقان والنفع فإن اجتمعت السرعة مع الإتقان ، كان العمل مثالياً .
وليس المقصود بالسرعة ، الهوجائية ، او الاندفاع أو فقدان الاتزان ، او التصرف بغير تفكير أو بغير دراسة ، وألا كانت خاطئة وتسببت في ضرر بالغ .
وهنا تبدو اهمية الروية و الهدوء ، ليخرج القرار سليماً .
والروية ليست عجزاً عن اصدار القرار ، أو عجزاً عن البت في الأمور . إنما هي مزج لكل ذلك بالحكمة في التصرف . فالتفكير الهادئ أكثر سلامة . والتصرف الهادئ أكثر نجاحاً . والاجراءات الهادئة اكثر ثباتاً ، وأقل تعرضاً للهزات …. ومشرط الجراح ، مع سرعته ليس هو العلاج الأمثل دائماً
علي أنه توجد بين السرعة والبطء درجة متوسطة أفيد .
السرعة قد تكون موضع نقد، الذي ليس هو سرعة مخلة بالدراسة والفحص ، وليس هو البطء الذي يعطل الأمور … طول الأناة فضيلة ، أن أدي إلي نتيجة سليمة. أما إذا أسئ استغلاله ، فإن فضيلة أخي تحل محله .
وأيضاً ليس البطء مرتبطاً دائماً بالوداعة . فقد يرتبط احياناً بالإهمال اللامبالاة ، أو يرتبط بالبلادة
كن حكيماً إذن في تصرفك . ولا تتبع احد تطرفين . فالطريق الوسطي خلصت كثيرين . والفضيلة كما يقولون هي وضع متوسط بين تطرفين ، بين إسراف تقتير …. اعط كل عمل الوقت الذي يستحقه . وعامل كل موضوع بما ينجحه ، بالسرعة أو بالتروي ،حسبما يلزم .