mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: فضيلة الاحتمال لقداسة البابا شنودة السبت 10 أبريل 2010 - 14:28 | |
| فضيلة الإحتمال بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
جريدة الأهرام 28 مارس 2010
الاحتمال موضوع طويل، وله أسباب عديدة: فهناك من يحتمل بسبب الوداعة والهدوء في طبعه. وهناك من يحتمل لاتضاع قلبه. أو بسبب الحكمة إذ يتجنب عواقب الأمور. أو لأسباب أخرى... ولكن موضوعنا الآن هو الاحتمال بسب المحبة، المحبة التي تحتمل كل شئ.
?? فالذى يحب شخصاً يكون مستعداً أن يحتمل منه، وأن يحتمل من أجله. يحتمل منه إساءاته وأخطائه. ويحتمل من أجله فى الدفاع عنه.
?? ومن أمثلة المحبة التى تحتمل، محبة الأمومة ومحبة الأبوة: فالأم تحتمل متاعب الحمل والولادة، ومتاعب الرضاعة، وحمل الأبن فى صغره، ومتاعب الصبر فى تربية أبنائها والعناية بهم فى غذائهم وفى نظافتهم، وفى الاهتمام بصحتهم، وفى تعليمهم النطق والكلام، وفى الصبر على صراخ الأطفال وصياحهم وعنادهم إلى أن يكبروا.
ومن جهة الأب: يحتمل كثيراً فى تربية أبنائه، وفى مشقة العمل للإنفاق عليهم وتوفير كافة احتياجاتهم.
?? ومن أمثلة المحبة التى تحتمل، ما احتمله الشهداء من سجن وعذابات لا تُطاق، ثابتين فى محبة الله، ورافضين أن ينكروه إلى أن قُطعت رقابهم... ولا ننسى أيضاً احتمال الأنبياء والرسل فى نشر رسالة الإيمان، وما يتلقونه من متاعب ومقاومات.
ومن أجل محبة الله أيضاً احتمل الرهبان والنُسّاك أن يعيشوا فى البرارى والقفار وشقوق الأرض، بعيداً عن كل عزاء بشرى، فى شظف الحياة زاهدين فى كل شئ.
?? ومن أمثلة المحبة التى تحتمل، محبة الجنود لوطنهم. إذ يحتملون مشاق التدريب والحرب، والتعرض للموت أو للأصابة. وربما يحتملون أيضاً فقد بعض أعضائهم أو التعرض لجروح شديدة أو تشوّهات... ونفس الوضع نقوله على ما تحتمله الشرطة لحفظ الأمن، وما يتعرضون له أحياناً من مقاومات من المتمردين على النظام.
كل هذه الأمثلة عن المحبة من أجل الغير، المحبة التى لا تطلب ما لنفسها... ومن الأمثلة أيضاً رجال المطافئ، وفرق الأنقاذ على تنوع تخصصاتهم. أولئك يعرضون أنفسهم للحريق أو للغرق أو للموت بأنواع كثيرة من أجل الغير.
?? ننتقل إلى نقطة أخرى وهى الحديث عن محبة المخطئين واحتمال تصرفاتهم. المحبة التى تحتمل الغير وتغفر له، والمحبة التى تحتمل الأساءة ولا ترد بالمثل. ولا تُشهّر بالمخطئ، ولا تشكو منه بل المحبة التى تنسى الأساءة، ولا تخزنها فى ذاكرتها كما يفعل البعض إذ يتذكر الإساءة لشهور وسنوات، أما المحبة الغافرة فكثيراً ما تنسى حقوقها الخاصة.
?? المحبة التى تحتمل هى محبة الشخص صاحب القلب الكبير الواسع. الذى يحتمل كلام الآخرين حتى لو كان ذلك بألفاظ صعبة. ويحتمل حتى الفكاهة ولو كانت بأسلوب يبدو فيه تهكم. ويحتمل العتاب القاسي ولا يتضايق.
على أن يكون الاحتمال فى غير ضجر ولا تذمر ولا ضيق. بل بصدر رحب وروح طيبة، غير متمركز حول ذاته وحول كرامتها... وطبيعى أن المحبة التى لا تطلب ما لنفسها، سوف لا تطلب حقوقاً لذاتها، وبالتالي ستحتمل كل شئ، دون أن تحتد.
?? بعض الناس لا يحتملون الذين لا يفهمونه. ومن هنا كانت مشكلة الأذكياء مع الجهلاء أو الأقل فهماً، أو مع الطبقات الجاهلة. لذلك يبعد مثل هؤلاء الأذكياء عن كثيرين من الناس. وقد لا يحتمل الواحد منهم طول الوقت فى إقناع غيره، فيبعد عنه. بينما لو كانت فى قلبه محبة لاطال آناته على من لا يفهمه، وبمحبته يصبر عليه. وبذلك يمكنه أن يضم إليه هذا الجاهل باحتماله له، ويرجو منه خيراً! ونفس الوضع فى معاملته للأطفال.
?? إن القلب الضيق الخالى من الحب، هو الذى لا يحتمل الآخرين. أما القلب المتسع فيستطيع أن يحتمل كل الناس. لذلك كن متسعاً فى قلبك وفى صدرك وفى فهمك. ولا تتضايق بسرعة واعرف أن المجتمع فيه أنواع متعددة من الناس. وليسوا جميعاً من النوع الذى تريده. يوجد فيهم كثيرون لم يصلوا بعد إلى المستوى المثالى، ولا إلى المستوى المتوسط. وعلينا أن نحبهم جميعاً. وبالمحبة ننزل إلى مستواهم لنرفعهم إلى مستوى أعلى. نتأنى عليهم، ونترفق بهم، ونحتمل كل ما يصدر من جهالاتهم، ونصبر عليهم حتى يصلوا...
لا تقل: " الناس متعبون ". بل بمحبتك تعامل معهم، وحاول أن تصلح من طباعهم. لأنك لو كنت لا تتعامل إلا مع المثاليين، فعليك أن تبحث عن عالم آخر تعيش فيه. فى أحدى المرات قال لى شخص: " أنا لم أعد احتمل (فلان) إطلاقاً. إنه شخص لا يطاق ولا يمكن احتماله!! ". فقلت له: " وكيف إذاً احتمله الله منذ ولادته حتى الأن؟! وكيف احتمل غيره وأمثاله منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا؟! ". فإن كان الله يحتملنا فى كل أخطائنا، فلماذا لا نحتمل غيرنا.
وكم مرة قدمنا لله توبة كاذبة، وكان الله يقبلنا. ثم نعود إلى خطايانا السابقة، ويحتملنا الله ويطيل آناته علينا حتى نتوب مرة أخرى. وكم مرة يأتي موعد الصلاة، فنقول ليس لدينا وقت لنصلى! عجيب أن هذا التراب يقول لخالقه: " ليس لدى وقت لأكلمك!! "، ويحتمل الله عبده... وكأنه يقول لهذا العبد: إن وجدت وقتاً افتكرنى.
حقاً ليتنا نتعلم دروساً من معاملة الله، ونحتمل الناس. نحتملهم كما يحتملنا الله، ونحتملهم كما احتملهم.
?? كذلك الإنسان المحب لله يحتمل التجارب والمشاكل والأمراض. ولا تتزعزع محبته لله مهما طال وقت التجربة أو ازدادت حدتها. بل يحتمل فى ثقة وفى غير تذمر ولا يتعجل حل المشكلات... بل ينتظر الرب متى يحين الوقت الذى يخلصه فيه. والذى يحب الله لا يتضايق من انتظاره للرب بل يحتمل. فقد يصلي، ولا يجد أن الصلاة قد اُستجيبت. فلا يشك فى محبة الله له، ولا يظن أن الله قد نسيه. بل يحتمل ما يظنه متأخراً فى الاستجابة!! واثقاً أن الله لابد سيعمل من أجله. ولكن الله دائماً يعمل فى الوقت المناسب حسب حكمته.
إن القلب الضيق أو الذى محبته قليلة، هو الذى يتضجر. ويريد أن يطلب الطلب، ويناله فى التو واللحظة، دون أن يحتمل عامل الزمن!!. | |
|