علاقة الله بالإنسان قوامها الحب والعطاءبقلم قداسة البابا شنودة
إن الله دائما يعطي, ويعطي بسخاء, ويعطي للكل, هو يعطي دون أن نطلب, ويعطي فوق ما نطلب, وهو يعطينا ما نعطيه للغير, وفي كل ذلك يعلمنا العطاء, وقد بدأت علاقة الله بالإنسان, بالحب والعطاء.
كان الله وحده منذ الأزل, لم يكن هناك غيره, ثم أحب أن نوجد فأوجدنا, وكانت النعمة الأولي التي أعطانا إياها هي نعمة الوجود, لم يكن الله محتاجا إلي وجودنا بل نحن المحتاجون إليه, وخلقه لنا كان من فرط تواضعه, إذ لم يشأ أن يوجد وحده, بل أوجد مخلوقات أيضا توجد معه.
والعطية الثانية التي أعطاها الله للإنسان, كانت بأن خلقه في أحسن تقويم, وميزه عن باقي المخلوقات الأرضية بالعقل والنطق والفهم, وأعطاه أيضا حرية الإرادة والسلطان علي حيوانات البرية وطير السماء وسمك البحر, بل جعله خليفة الله في أرضه.
وعندما خلق الله الإنسان أعطاه أيضا الصحة والقوة والجمال, كان الإنسان الأول في منتهي الجمال حينما خلقه الله, وكانت النقاوة والطهارة تضفي عليه جمالا آخر, وكان كاملا جسدا ونفسا وروحا قبل أن تغير الخطية من صورته.
ومنح الله الإنسان الأول البركة:فبارك آدم وحواء, ثم بارك نوحا وبنيه, وبارك إبراهيم أب الآباء والأنبياء, وبارك محبيه من البشر ومن الأنبياء, وجعلهم بركة للعالم, ومنح كل أولئك كرامة ومجدا, في الأرض وفي السماء.
ومنح الله البشرية نعمة البقاء, والاستمرارية في الوجود, وذلك عن طريق الزواج, بأن خلق الإنسان ذكرا وأنثي, ليثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض.
ولما مات الإنسان, أعطاه الله نعمة القيامة من الأموات, فسوف يقوم البشر في اليوم الأخير ليحيوا حياة أخري, وهكذا أعطي الله للبشر نعمة الخلود, لكي يحيوا إلي الأبد في حياة أخري لا تكون لها نهاية.
وفي محبة الله للإنسان, منحه مواهب وعطايا صالحة, تتعدد هذه المواهب من شخص إلي آخر, بعضها مواهب عقلية, والبعض مواهب روحية, ووصلت مواهبه لمختاريه إلي حد صنع المعجزات, وأعطي البعض حكمة, كسليمان, وللبعض موهبة الرؤي وتفسير الأحلام كما كان لدانيال ويوسف الصديق.
وأعطي الله للإنسان موهبة الحديث معه, كما كان موسي كليم الله, وإبراهيم خليلا لله. بل أعطي البشرية كلها شرف الحديث معه في الصلاة وأعطي البعض شرف خدمته ونشر ملكوته علي الأرض كما حدث مع الأنبياء والرسل, وخدام الله في كل عصر ومكان, وألهم هؤلاء ما يقولون للناس, وأعطي الأنبياء موهبة الوحي الإلهي.
ولما أخطأ كثير من الناس, فإن الله لم يتركهم في سقطاتهم, بل أعطاهم روح التوبة والرجوع إليه, وأعطاهم أيضا المغفرة, وكل هذا من حنان الله ورحمته.
وأعطي الله للإنسان أن يكون له صلة بالقوات السمائية, وذلك عن طريق عمل الملائكة من أجل البشر, فهناك ملائكة تبشرهم, وملائكة تنذرهم, وملائكة تعينهم وتنقذهم, بل أعطاهم أيضا أن يحيوا مع الملائكة في العالم الآخر فيما بعد.
وأعطي الله للإنسان كل ما يحتاجه علي الأرض من العناية, وكفل له حاجته من الطعام والشراب والملبس, وجعل في الأرض خيرات تكفي لكل البشر, إن حسن توزيعها.
ومن أهم العطايا الإلهية للإنسان: الرعاية فالله لم يخلق الإنسان ويتركه وحده بل لا يزال يرعاه في كل مكان وعبر الأجيال, ويرسل له رعاة يهتمون به ويحلون مشاكله ويمنحونه العون والمساعدة.
ومن عطايا الله للإنسان, إرشاده له عن طريق الحياة, وتعريفه بالطريق السليم الذي يسلك فيه, وهكذا منحه الوصايا الإلهية التي صارت نورا له في الطريق, ومنحه أيضا الضمير الذي يميز بين الخير والشر, ويحث علي الخير, ويحذر من الخطأ, ويقود الإنسان إلي التوبة, وإلي محبة الله وطاعته.
وقد أعطي الله للإنسان قلبا يشتاق إليه, وأعطاه أيضا نعمة الإيمان به, حتي إننا نشكر الله ونقول له في صلواتنا: أعطيتني علم معرفتك فما أجمل هذه العطية أن نعرف الله وأن تكون لنا به صلة, وتستمر هذه الصلة من الآن وإلي الأبد.
أعطانا الله أيضا أن نعتمد عليه, وأن نطلبه في ضيقاتنا, فيستجيب لنا ويعيننا, وهكذا نشكره علي كل إحساناته إلينا, ونشعر أننا لسنا وحدنا في هذا العالم, وإنما هناك قوة من فوق تسندنا في طريق الحياة.
أعطانا الله أيضا المحبة التي نحبه بها, والتي نحب بها بعضنا البعض والتي بها نعطي للغير بقدر ما نستطيع: نعطيهم حبا, ونعطيهم نصيحة وفكرا, ونعطيهم من الأمور المادية التي أعطانا الله إياها, وفي كل هذا لانعتبر أنفسنا إننا نعطي, وإنما نوصل خيرات الله للناس.
إن داود النبي تذكر عطايا الله وإحساناته إليه فقال في المزمور: باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس, باركي يا نفسي الرب ولاتنسي كل إحساناته. وهكذا أعطانا درسا في أن نتذكر كل إحسانات الله إلينا, وكل إحساناته إلي أحبائنا ومعارفنا وإلي وطننا أيضا.
إن كل عطية صالحة تصل إلينا, لا شك أن مصدرها هو الله الذي أعطاها, غير أننا كثيرا ما ننسب ما يصل إلينا من خيرات لغير الله, ننسب ذلك إلي بعض الناس, أو إلي ذكائنا الخاص, أو إلي الظروف المحيطة, وبهذا يقل شكرنا لله, ويقل اعترافنا بجميله, وتقل صلتنا به واعترافنا بأننا لولاه ما كنا شيئا علي الإطلاق.
اجلس يا أخي إلي نفسك, واطلب من ذاكرتك أن تجول في كل عمل الله من أجلك منذ أن ولدت وإلي هذه اللحظة, وتأمل في كل خطوة أنجح الله فيها طريقك, أو أعطاك نعمة في أعين الناس, أو أنقذك من مشكلة, أو ستر عليك ولم يشأ أن يكشفك.. ثم أشكر الله المعطي. وحتي وإن كانت عطاياه قد وصلت إليك عن طريق آخرين, فاشكره أيضا لأنه استخدم هؤلاء من أجل منفعتك.
نقلا عن جريدة الأهرام