mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: المحبة والمخافة معا وطني 15-11 الأحد 15 نوفمبر 2009 - 17:46 | |
| سلسلة مخافة الله (14) المحبة والمخافة معا بقلم قداسة البابا شنودة الثالث وطني 15-11-2009
المخافة بمعني المهابة
قال مارإسحق إن مخافة الله تسبق محبة الله. وقال المخافة هي عصا الله التي تسوقنا إلي محبة الله, وقال أيضا كما أنه لا يمكن عبور النهر دون سفينة, كذلك لا يمكن لأحد أن يعبر إلي محبة الله, ودون التوبة والمخافة, لأن التوبة هي السفينة, والمخافة مدبرها, والمحبة هي ميناء السلامة والكرامة, حيث يلقي المتعبون راحتهم. * المخافة توصل إلي المحبة ولكن لا تفارقها المحبة مستوي أعلي من المخافة, ولكن لا يتعارض معها. هي مستوي تصعد إليه, ولكن لا تفقد ما تحته. مثل درجات السلم. أو مستوي طالب جامعي ارتفع فوق معلومات التعليم الثانوي والابتدائي, ومع ذلك لم ينسها, بل يعتمد عليها. هي لاتزال في ذهنه, لم يفقدها, وإنما أخذ شيئا فوقها.. ولا تتعارض علومه الجامعية, مع التعليم الأساسي في المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية. المخافة تقود إلي المحبة, ثم تقف لتحرسها.. والمحبة تحتفظ بالمخافة داخلها, ولو باسم آخر. الذين في محبتهم تركوا المخافة, هم عرضة لأن يتركوا محبتهم الأولي, ويسقطوا ويحتاجوا إلي توبة, كما حدث لملاك كنيسة أفسس, الذي كانت له محبة, وقد تعب من أجل اسم الرب ولم يكل (رؤ 2: 3-5). الذي وصل إلي المحبة الكاملة, تبقي في أعماقه أمور عديدة من خصائص المخافة, فما هي؟ يبقي في قلبه الحرص والتدقيق والجدية والالتزام. ويبقي في قلبه أيضا الجهاد, وحفظ الوصايا, ذلك لأنه تعود كل هذا في حياة المخافة. وتبقي فيه أيضا حياة التوبة وما يتبعها من انسحاق ودموع. وإن كان الإنسان المحب لله لم يعبر علي هذه كلها في طريقه الروحي, ولم يحتفظ بهذه كلها في منهجه الروحي, فلاشك أنه قد أخطأ الطريق إلي الله.. الذي يريد أن يقفز إلي المحبة, دون أن يعبر علي المخافة, هذا قد يصل إلي الاستهانة والتدلل. والقديس الأنبا أنطونيوس الكبير, حينما قال لتلاميذه أنا لا أخاف الله, كان يقصد بلاشك ما وصل إليه, وليس ما بدأ به.. لأنه واضح تماما أنه قد بدأ بالمخافة, حينما نظر إلي جثمان أبيه الميت, وقال له لقد خرجت من العالم علي الرغم, منك. ولكنني سأخرج منه بإرادتي, قبل أن يخرجوني كارها. إن المخافة كالجذور بالنسبة إلي الشجرة, هذه التي تعلو وترتفع وتؤتي ثمارها, وفي كل هذا, تبقي الجذور كما هي, وإن كانت مختفية, ولا يمكن أن تستغني عنها الشجرة, وإلا فإنها تموت.. * أما عبارة المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج فمعناها تطرح الرعب الرعب من البحيرة المتقدة بالنار والكبريت في الظلمة الخارجية (رؤ 20: 10) (مت 13: 42) حيث البكاء وصرير الأسنان.. تلك النهاية المخيفة التي قال عنها الرسول مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي (عب 10: 31). فالإنسان الذي يصل إلي المحبة الكاملة, لا يخاف الانفصال عن الله والوصول إلي الظلمة الخارجية. ولكن تبقي في قلبه المخافة بمعني المهابة.. مهما وصل إلي المحبة الكاملة. كانت خيمة الاجتماع في العهد القديم تمثل سكني الله مع شعبه. وكانت خيام الشعب تحيط بها, ولكن من بعد, هيبة للمكان الذي يحل فيه مجد الله عند تابوت العهد وحيث يكلم الرب موسي.. وموسي النبي نفسه, كانت بينه وبين الله دالة يستطيع بها أن يقول له ارجع يارب عن حمو غضبك, واندم علي الشر بشعبك (خر 32: 12). ومع ذلك لما أتي إلي الجبل ليتسلم الوصايا من الرب, قال أنا مرتعب ومرتعد (عب 12: 21).. وهكذا هي هيبة الله المرهوب علي كل الآلهة. * المحبة إذن تطرد الخوف بمعني الرعب, وتستبقي المخافة بمعني المهابة والتوقير والإجلال. فمع أننا ندعو الله آبانا في الصلاة, إلا أننا مع ذلك, نركع في صلواتنا ونسجد.. لأننا لا نتكلم مع أب عادي, وإنما نكلم أبانا الذي في السموات.. وهنا يمكننا أن نسأل: ما معني الخشوع في الصلاة؟ أليس هو لونا من المخافة, بمعني التوقير والإجلال, كذلك ما معني التمجيد. أليس التمجيد لونا من مخافة الله وتوقيره؟ كما قال الملائكة في سفر الرؤيا من لا يخافك يارب ويمجد اسمك, لأنك وحدك قدوس, لأن الأمم سيأتون ويسجدون أمامك.. (رؤ 15: 4). وبنفس المعني رأي القديس يوحنا الإنجيلي ملاكآ طائرا في السماء, وهو يحمل شارة أبدية لكل الشعوب, ويقول بصوت عظيم خافوا الله وأعطوا مجدا (رؤ 14: 7). هنا خوف الله يرتبط بتمجيده, ونحن نرتبط بكليهما, كلما تذكرنا عظمة الله وعلو مجده. والرب نفسه يطالبنا بهذا, حتي لا ننسي مجد الله وهيبتنا له, فنخطئ إليه.. وهكذا لما ظهر الله لموسي في العليقة, قال له اخلع حذاءك من رجليك, لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة (خر 3: 5). أليس هذا مثالا من مخافة الله. * من الأمثلة الأخري ألا ننطق باسم الله باطلا (خر 20: 7) والعقوبة المرتبطة بهذه الوصية إنها إحدي الوصايا العشر. وقد قال الله بعدها مباشرة لأن الرب لا يبرئ من ينطق باسمه باطلا وفي العهد الجديد, في العظة علي الجبل, نري نفس الوصية, ليس باسم الرب فقط, بل كل ما يتعلق به. فيقول لا تحلفوا البتة, لا بالسماء لأنها كرسي الله ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه. ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم... (مت 5: 34, 35). إنها المهابة لله, ولكل ما ينسب إليه فالإنسان الذي مخافة الله في قلبه, هذا يهاب الله, ويوقره, ويطيعه, ويحفظ وصاياه, ويحترمه, ويحترم كل ما يتصل به: يهاب مواضعه المقدسة ويحترمها. ويحترم كتابه. وخدام مذبحه, ويحترم قديسيه وملائكته ويحترم اسمه القدوس, فلا ينطق به باطلا, بل يقدسه ويمجده, وينحني حينما ينطق بهذا الاسم القدوس.. إنها المخافة التي يتصف بها كل من يحب الله.. التي فيها لا يمكن للإنسان أن يكسر وصية واحدة من وصايا الله. فبالمخافة لا يكسر وصاياه, لأنه يخاف عقوبته. وبالمحبة أيضا لا يمكنه أن يكسر وصاياه, لأنه يحب تلك الوصايا ويجد لذته فيها أما الذي يكسر الوصية فواضح أنه بعيد عن محبة الله, وبعيد عن مخافته.. والذي يتكلم عن المحبة بينما يكسر الوصية يكون كلامه باطلا إذ كيف يتكلم عن المحبة التي هي نهاية الطريق الروحي بينما لم يصل بعد إلي المخافة التي هي بدء الطريق. وما أجمل قول الوحي الإلهي في هذا المعني إن جريت مع المشاة فأتعبوك فكيف تباري الخيل؟! (إر 12: 5). إن كنت لاتزال تصارع مع الخطية, مرة تسقط وأخري تقوم, فكيف تضع نفسك مع الذين فعلوا كل ما أمروا به, ويقولون إنهم عبيد بطالون (لو 17: 10) ماذا إذن عن مقارنة نفسك بالقديسين أمثال أنطونيوس؟! أو غيره من أصحاب الرؤي والاستعلانات. فلنتكلم إذن عن مستوانا, ولا ندعي لأنفسنا درجات لم نصل إليها بعد, ولن نصل. إنني أكلم بشرا من نوعي, نجاهد معا لكي نصل, ولكننا لم نصل بعد.. بل مازلنا في مرحلة الجهاد. فهذا مستوانا معا.. أما المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلي خارج, فلعلها مشوار الحياة كلها. نحاول في كل يوم أن نصل إلي شيء منها.. ويخيل إلي أن المحبة الكاملة لا نصل إليها إلا في العالم الآخر.. وفي ذلك العالم لا توجد خطية, وبالتالي لا يوجد خوف, أما في عالمنا هذا الذي توجد فيه الخطية, فلابد أن توجد فيه المخافة أيضا, لأن الخوف ملازم للخطية بالضرورة. وكما يقول الكتاب أتريد أن لا تخاف السلطان افعل الصلاح.. ولكن إن فعلت الشر فخف (رو 13: 4, 5). فإن قيل هذا عن السلطان المحدود في تقييمه للشر, فماذا نقول عن الله غير المحدود في الصلاح والقداسة؟! * وحذار أن تفهموا خطأ الآيات التي وردت في الكتاب عن حنان الله ومغفرته ولطفه ورحمته... وهنا أسأل: هل من الأفضل أن أتكلم عن هذه النقطة بشيء من الإيجاز ضمن هذا المقال؟ أم نرجئها إلي العدد المقبل لنوفيها حقها بحديث مفصل؟.. من الأفضل إرجاؤها إلي العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا | |
|