Boutros اصدقاء المنتدى
عدد الرسائل : 4697 العمر : 57 تاريخ التسجيل : 24/12/2007
| موضوع: مقاله جريدة وطني يوم 26-12-2010 الأحد 26 ديسمبر 2010 - 16:56 | |
| حياة الفضيلة والبر (29) النظرة البيضاء والنظرة السوداء بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث الحياة هي نفس الحياة بالنسبة إلي الكل, بحلوها ومرها. وقد تتشابه الظروف الخارجية بالنسبة إلي كثيرين, ولكن انفعال البعض بها يختلف عن انفعال البعض الآخر, ونظرة كل من الفريقين تختلف عن الآخر, البعض له نظرة بيضاء والبعض الآخر له نظرة سوداء.. ولنأخذ مثالا لذلك: المشاكل. النظرة إلي المشكلة: لا يوجد أحد لا تصادفه مشاكل, كل إنسان له مشاكله. ولكن البعض ينظر إلي المشكلة بنظرة سوداء, معقدة, كما لو كانت المشكلة بلا حل ولا مخرج, ولا منفذ, كما لو كانت ألما صرفا دائما, وضياعا. وقد صور داود النبي هذه المشاعر علي أنها حرب خارجية, فقال: كثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهه.. (مز 3). ولكنه لم يخضع لهذه الحرب, بل قال في رجاء: وأنت يارب هو ناصري, مجدي ورافع رأسي.. وهذا يقودنا إلي النظرة البيضاء للمشكلة.. فيها يري الإنسان أن كل مشكلة لها حل, وأن الأمر ليس خطيرا وليس مستحيلا. وأن الله لابد أن يتدخل في المشكلة ويحلها. ووسط هذه المشاعر يضع أمامه قول الرسول: احسبوه كل فرح يا إخوتي, حينما تقعون في تجارب متنوعة (يع 1: 2). بالنظرة البيضاء يقابل المشكلة ليس فقط بأعصاب هادئة, وإنما بفرح شاعرا أنه سينال بركة المشكلة, وما فيها من خبرة روحية, وكيف أنه سوف يلمس يد الله العاملة معه.. ويري كيف سيحلها الله. المشكلة واحدة, ولكن تختلف النظرة إليها والانفعال بها, ويختلف الـ Response. هناك أناس تسبب لهم بعض المشاكل أمراضا صعبة. مثل ضغط الدم أو السكر أو قد يصاب بعضهم بانهيار نفسي, أو بتعب أعصابه, أو في نفسيته, أو قد يقع علي الأرض مشلولا, أو يصاب بذبحة, أو بجلطة أو بسكتة قلبية.. كل ذلك حسب درجة انفعاله بالمشكلة, وحسب ضغطها عليه.. وشعوره أنه قد انتهي, ولا خلاص..!. أما صاحب النظرة البيضاء فيمزجها بالإيمان والرجاء.. بالإيمان يثق بوجود الله أثناء المشكلة, وبيد الله العاملة سواء رآها أو لم يرها.. فلا يأبه للمشكلة, ولا تعصره, ولا يسمح لها أن تضغط عليه. إنه أكبر من المشكلة, أما صاحب النظرة السوداء فالمشكلة أكبر منه. صاحب النظرة السوداء لا ينظر إلا إلي ما في المشكلة من ألم ومن ضيق وتعب, ويقابلها بخوف وانزعاج. وقد تضغط علي تفكيره فيتوقف ويترك الأمر إلي أعصابه المنهارة. وقد يصل به الأمر إلي اليأس, وربما يصل به اليأس إلي الانتحار كما حدث ليهوذا.. القديس بطرس الرسول أنكر السيد المسيح, والرب نفسه قال: من ينكرني قدام الناس, أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السموات (متي 10: 33). ولكنه لم يدع اليأس يسيطر عليه. وانتصر علي المشكلة بالتوبة والرجاء ومحبة الله.. النظرة إلي المادة: نتناول نظرة الإنسان إلي المادة, وإلي المال, وإلي الجسد: إنسان ينظر إلي المادة كأداة يخدم بها الله وإنسان آخر ينظر إليها, كوسيلة لخدمة شهواته. والمادة هي نفس المادة ولكن نوعية النظرة إليها, تحدد نوعية العلاقة بها, والتصرف معها.. هل المادة تملكك, أم أنت تملكها؟ المال هو نفس المال ولكنه في يد البعض يستخدمه للخير, وفي يد غيره يهلكه, لأن نظرة الواحد إليه غير نظرة الآخر.. نفس الوضع مع الجسد, هل تستخدمه لتمجيد الله وخدمته؟ أم تنظر إليه كأنه شر في ذاته, باستمرار يعثرك ويسقطك..؟! شجرة معرفة الخير والشر كانت في وسط الجنة, يراها أبوانا ولا تعثرهما. فلما اختلفت النظرة إليها, كان السقوط. لأن حواء -بعد أن سمعت كلام الحية- فقدت نظرتها البسيطة, وتغيرت نظرتها إلي الشجرة, فإذا هي: جيدة للأكل, وبهجة للعيون, وشهية للنظر (تك3: 6). وبهذه النظرة المتغيرة, وقعت في الشهوة وسقطت.. إذن لم تكن العثرة في الشجرة, إنما في نوع النظرة. بين الشكر والتذمر: إنسان ينظر إلي الذي معه, فيرضي ويشكر. وآخر ينظر إلي الذي ينقصه, فيشكو ويتذمر. وقد يكون الاثنان في نفس الظروف ونفس الأوضاع. فما نوع نظرتك أنت؟ هل إلي الذي معك, أم إلي الذي ينقصك؟! كثير من الذين يتذمرون ويتعبون, لو أنهم نظروا إلي ما معهم, لوجدوا أنهم في خير, وقد أعطاهم الرب الكثير والكثير. ولكنهم لم ينظروا إلي الذي عندهم! آدم وحواء كانت لهما الجنة بكل ما فيها. ولكنهما نظرا إلي الشجرة الواحدة التي تنقصهما!! وبهذه النظرة سقطا, علي الرغم من كل متعة الجنة. ولعل من الأمثلة البارزة في نوعية هذه السقطة, الشيطان نفسه: كان الرب قد أعطاه الكثير: خلقه ملاكا في منتهي البهاء, بطبيعة جميلة, ومن الرؤساء. وكان من رتبة الكاروبيم, ووصفه سفر حزقيال النبي بأنه الكاروب المظلل المنبسط (حز28: 14, 16). ولكنه لم يقنع بما معه, ونظر إلي ما ينقصه, أي أن يرفع كرسيه فوق كواكب الله, ويصير مثل العلي..! (إش 14: 13, 14). وهكذا سقط الشيطان, ترك رفعته, ونظر إلي ما ينقصه.. أن يصير مثل الله!! وكثيرون من هذا النوع.. ما أكثر النعم التي تحيط بهم, فلا ينظرون إليها, إنما ينظرون إلي شئ آخر ينقصهم! وإن حصلوا عليه لا يكتفون, بل ينظرون إلي مستوي أعلي وأبعد ينقصهم.. وقد يتذمرون وهم في وضع يشتهيه غيرهم ولا يجده! بنوع نظرة الإنسان يسعد نفسه, وبنوع نظرته يشقيها. ليست الظروف الخارجية هي التي تتعبك, وإنما يتعبك أسلوبك في التفكير, نوع نظرتك إلي الحياة.. النظرة إلي أعمال الآخرين إنسان ينظر إلي الخير الذي في الناس ويمتدحهم. وإنسان آخر لا ينظر إلا إلي النقائص والعيوب. هذا النوع له نظرة نقادة, لا يري إلا الشئ الأسود, متخصص في رؤية العيوب, حتي بالنسبة إلي شخص يمدحه الكل وهو موضع رضي الكل. ومع ذلك ما أسهل أن يجد فيه عيبا ينتقده!! هذا النوع تخصصه أنه ينتقد, ويعارض, ويتكلم بالسوء علي كل أحد, ولا يعجبه أي تصرف.. علي الأقل بالنسبة إلي شخص معين, أو إلي مجموعة معينة من الناس.. بينما السيد المسيح -حتي بالنسبة إلي المرأة السامرية الخاطئة. أمكنه أن يجد فيها شيئا يمتدحها عليه.. فقال لها: حسنا قلت.. هذا قلت بالصدق (يو4: 17, 18). وحتي الشاب الغني الذي مضي حزينا.. أثناء حديث الرب معه, وجد فيه شيئا فاضلا أنه يحفظ الوصايا منذ حداثته, فيقول الكتاب إنه: نظر إليه وأحبه (مز10: 21). لو كانت لك النظرة البيضاء, ستري في كثيرين شيئا يحب, وشيئا يمتدح... درب نفسك علي هذه النظرة.. أي تنظر إلي محاسن الناس وليس إلي عيوبهم, هناك نظرة واقعية, أن تري ما فيهم, من محاسن ومن عيوب ولكن أي النوعين له التأثير الأكبر عليك؟ الذي لا ينظر إلا إلي العيوب, قد تجده ساخطا علي المجتمع كله. لا يعجبه شئ.. كل ما يراه هو موضع انتقاد.. وبعض الذين ينادون بالإصلاح, لا ينظرون إلا إلي السوداء فقط.. ويحتار البعض معهم كيف يرضونهم.. هم باستمرار عدوانيون Aggressive.. لابد أن يجدوا شيئا يهاجمونه, وإن لم يجدوا, يخترعون شيئا يهاجمونه.. وبعض هؤلاء بدلا من الهجوم, يتحولون إلي الانعزال..! بسبب نظرتهم السوداء ينفرون من المجتمع, وينطوون علي ذواتهم إذ لا يجدون شيئا يعجبهم, ولا شيئا يرضيهم.. بل هم ساخطون علي كل شئ. وأحيانا يصاب هؤلاء بأمراض نفسية.. قد يصاب بعضهم بمرض الكآبة Depression, وباستمرار تجده حزينا كئيبا, ينتظر الشر إن لم ير الشر أمامه, ويحزنه كل شئ.. وأحيانا يخاف المجتمع, ويري أن الغالبية ضده تدبر له ما يتعبه, فيصاب بعقدة الاضطهاد Persecution Complex ويخيل إليه أن كثيرين يريدون الإضرار به وإيقاعه في مشاكل. أو قد يصاب بالعصبية, فتجده غضوبا باستمرار, حاد الطبع, عالي الصوت يحتد وربما بلا سببب يدعو إلي ذلك, وفي غضبه يثور, ويتكلم بما لا يليق, إنه لا يري سوي سواد يثيره. وربما يحارب بالشكوك في كل شئ. في كل ما يحيط به, يفترض أسبابا سوداء تدعوه إلي الشك. وإن بدأ الشك يحاربه, يلتقطه الشيطان لكي يضيف إليه مخترعات وأسبابا تزيد من شكه, حتي يصبح من شكه في جحيم. وكل هذا بسبب نظرته السوداء التي تفترض الشر, بعكس غيره الذي يؤول نفس الأمور تأويلا طيبا ولا يحزن نفسه.. إن كثيرا من الشكوك, ليس سببها الأسباب الخارجية, إنما حالة القلب والفكر من الداخل. قد تكون النظرة السوداء إذن مرضا نفسيا تنتج عنه هذه النظرة, وربما تؤدي هذه النظرة إلي مرض نفسي.. أي قد تكون سببا أو نتيجة. أي أنه إذا بدأ بالنظرة السوداء يصل إلي المرض النفسي أو إذا بدأ بالمرض النفسي يصل إلي النظرة السوداء. وبالنظرة السوداء يفقد الإنسان سلامه القلبي, بعكس الإنسان الذي باستمرار يحيا في بشاشة وفي فرح. والعجيب أن النظرة السوداء تأتي حتي في العلاقة مع الله. في العلاقة مع الله: الشيطان قد يحارب الإنسان صاحب النظرة السوداء حتي في علاقته مع الله, فيصور له أن الله لا يهتم به, وأن الله قد أهمله, ولا يستجيب صلواته, بل يصل به الأمر إلي أن الله يضطهده! وهكذا بالنظرة السوداء يوصله إلي التجديف. ونفس هذا الوضع قاله الشيطان لله عن أيوب الصديق. قال للرب: ولكن ابسط يدك الآن, وامسس كل ماله, فإنه في وجهك يجدف عليك (أي 1: 11). ولكن أبسط الآن يدك, وامسس عظمه ولحمه, فإنه في وجهك يجدف عليك (أي 2: 5). لقد كرر عبارة: في وجهك يجدف عليك مرتين. وذلك لأن حرب التجديف هي من الشيطان نفسه.. يهمس في أذن الإنسان المتضايق, أو صاحب النظرة السوداء, ويقول له: لماذا يعاملك الله هكذا؟! لماذا تثقل يده عليك؟!. فصاحب النظرة السوداء, قد لا يشعر فقط أن الناس ضده, وإنما الله نفسه ضده!! السماء مغلقة أمامه! لماذا يقولون لنفسي: ليس له خلا بإلهه (مز3). من الذين يقولون ليس له خلاص بإلهه؟ إنهم الشياطين وأعوانهم من الناس الأشرار ومن الأفكار الشريرة.. ولكنك ترد وتقول: وأنت يارب هو ناصري, ملجأي ورافع رأسي.. صاحب النظرة السوداء: يري أن كل نهار, بعده ليل مظلم, أما صاحب النظرة البيضاء: فيري أن كل ليل مظلم, بعده نهار مضيئ.. النظرة السوداء تتعب من كل خطأ موجود. والنظرة البيضاء تقول إن كل خطأ يمكن تصحيحه.. | |
|