بمحبتنا للناس نصل إلي محبة الله
وبمحبة الخير نحب الله
المخافة هي بداية الطريق إلي المحبة:
يقول الكتاب في سفر الأمثال بدء الحكمة مخافة الربأم9:10.ويقول المرتل في المزموررأس الحكمة مخافة الربمز111:10.فكيف ذلك؟وما العلاقة بين المخافة والمحبة؟بينما يقول القديس يوحنا الرسول:لا خوف في المحبة.بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج1يو4:18.
حينما تبدأ بالمخافة,سوف تطيع الله وتنفذ وصاياه:
علي الأقل ستخاف من عقوبته,ومن يوم الدينونة الرهيب,ومن العذاب الأبدي.وبطاعة الوصايا سوف تجد فيها لذة,وتجدها نافعة جدا لحياتك,كما كان داود النبي يتغني بوصايا الله, وبشريعته وناموسه,في مزاميره.ويقولوصية الرب مضيئة تنير العينين من بعدوصايا الرب مستقيمة تفرح القلبتصير الجاهل حكيماأشهي من الذهب والإبريز الكثير.وأحلي من العسل وقطر الشهادمز19.ويقول أيضا في المزمور الكبيراذكر لعبدك كلامك الذي جعلتني عليه أتكل ,هذا الذي عزاني في مذلتيبكل قلبي أحفظ وصاياكبشريعتك أتلذذلكل كمال وجدت منتهي.أما وصاياك فواسعة جداكم أحببت شريعتك.اليوم كله هي لهجي مز119.
وبمحبة وصايا الله,نحب الخير:
وبمحبة الخير,نصل إلي محبة الله:
ربما في باديء الأمر نغصب أنفسنا علي محبة الخير,ولكننا بتوالي ممارسته نعمله بكامل إرادتنا,بل وبرغبة قلوبنا.ولا نستطيع أن نخطيء1يو3:9.
وأنا أقول محبة الخير,وليس مجرد عمل الخير.. فقد يفعل الإنسان الفضيلة خوفا,أو خجلا من انتقاد الناس,أو اتقاء للعقوبة,أو حفظا لسمعته,أو مجاملة,أو مجاراة للمجتمع أو رياء بينما يحب الخطية في أعماقه.ليست هذه الظاهرة هي التي توصل إلي محبة الله.
فالمقصود ليس هو عمل الخير بل محبة الخير:
أن الله لايهمه الخير الذي نفعله مضطرين أو مجبرين.كما لا قيمة للخير الذي نبغي من ورائه مديحا أو مجدا من الناس أو أعجابا...لأننا في هذه الحالة,يكون حبنا هو للمديح والإعجاب وليس للخير,كما أننا ننال أجر ما فعلناه هنا علي الأرضمت6:5.2إنما الخير الحقيقي,هو الذي نعمله حبا للخير ذاته,وحبا لمن نصنع معهم الخير,وحبا لله نفسه...
وعندما نحب الفضيلة والخير,سنحب الله تلقائيا لأن الله هو الخير المطلق:
وهكذا يمكن للإنسان البار أن يحب الله.بعكس الخاطيء الذي يحب الخطية ولا يستطيع أن يحب الله معها في نفس الوقت.لأنه لاشركة بين النور والظلمة,ولا خلطة للبر والإثم2كو6:14...وكالوجوديين الذين يظنون أن الله يعطل وجودهم,أو يعطل ممارستهم لشهواتهم فينكرون وجود الله الذي يدعو إلي الخير,ويعاقب علي تلك الشهوات.
أما أنت إذا أحببت البر والخير,فستجد أن الله هو مثلك الأعلي فيما تحب,فتحبه...
وإذا أحببت الخير,ستجد أنك قد ارتفعت فوق مستوي الصراع مع الخطية.إن عبارة الجسد يشتهي ضد الروح,والروح تشتهي ضد الجسدغل5:17,هي عبارة خاصة بالمبتدئين,الذين يجاهدون ضد الجسد غير الخاضع للروح.أما الجسد النقي البار,الذي يحب الخير,فهو لايشتهي ضد الروح.بل روح البار هي التي تقود جسده.وروح الله يقود هذه الروح البشريةرو8:14.
إذا أحببت الخير,وصار جسدك هكذا مقدسا,سيكون فعلا هيكلا للروح,وروح الله يسكن فيه1كو3:16.
وتدخل في شركة الروح القدس2كو13:14.وروح الله هو الذي يسكب محبة الله في قلبك:
لأنه هكذا قال الرسول..محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنارو5:5
إذن احتفظ بسكني الروح القدس فيك,وبشركتك مع الروح القدس في الفكر والعمل,لكي تحتفظ أيضا بمحبة الله في قلبك.ولا تحزن روح الله بأي عمل يضاد مشيئة الرب.وهكذا تعيش باستمرار في محبة الله.
الذي يحب الخير ويحب الله,جهاده الروحي هو جهاد لذيذ وبلا تعب,جهاد للنمو في الخير ومحبة الله.
إنه لايجاهد ضد نفسه ليغصبها علي حياة الفضيلة.. فمادام يحب الفضيلة,طبيعي إنه لا يغصب نفسه عليها,بل يمارسها بفرح وبشوق,ويجد لذته فيها وهكذا يحب الصلاة,ويحب الله الذي أرسل إليه هذه الكلمات التي تشبع نفسه.ويحب الكنيسة وكل أسرارها المقدسة.ويجد فيها نبعا روحيا يرويه وينميه.ويفعل كل ذلك بلا تغصب.لماذا؟
لأنه دخل إلي راحة الرب,دخل سبته الذي لاينتهي,الذي يتدرج فيه من خير إلي خير أكبر:
ويرتبط الخير عنده بمحبة الله ارتباطا وثيقا وعجيبا
فالخير يقوده إلي محبة الله.ومحبة الله تقوده إلي الخير وتصبح كل منهما سببا ونتيجة بالنسبة إلي الأخري.
الذي يحب الخير,لايري وصية الله ثقيلة كما قال الرسول1يو5:3,ذلك لأنه يحبها
بل إن الذي يحب الرب ويحب البر,قد ارتفع فوق مطالب الناموس,إذ قد دخل في الحب.
إنه يفعل الخير بلا وصية.بل بطبيعته الخيرة.ليس هو محتاجا إلي وصية تدعوه إلي الخير:
في محبته للخير,عاد كما كان صورة الله.وأصبح الخير جزءا من عناصر نفسه,يفعله كشيء عادي طبيعي,لا يبذل فيه جهدا.يصير الخير في حياته,كالنفس الذي يتنفسه,دون أن يشعر في داخله إنه يفعل شيئا زائدا أو عجيبا,ودون أن يحاول ذلك...ولذلك فهو أيضا لايفتخر أبدا بهذا الخير,باعتبار أنه شيء عادي...
إنه يحب الله,ويحب فيه الخير الذي يشتهيه.ويصبح الله هو شهوته ولذته.
ويجد في الله مثالياته التي يفقدها العالم.ولذلك يزهد العالم,ويحب دائما أن يلتصق بالرب,كما قال داود النبيأما أنا فخير لي الالتصاق بالربمز 73:28.ويشعر بفرح لأنه قد وجد الله,وعرفه واختبره,وعاشره وعاش معه.واختبر معه لذة الحياة الروحية لذلك يقول مع عذراء النشيدأمسكته ولم أرخهنش3:4.
الذي يحب الخير,يحب الناس,لذلك يصنع معهم خيرا.ومحبة الناسر توصله إلي محبة الله. وكما قال الرسول:إن قال أحد إني أحب الله,وهو يبغض أخاه فهو كاذب.
لأن من لايحب أخاه الذي أبصره,كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟1يو4:20.
إن أردت أن تحب الله,ابدأ أولا بمحبة الناس اخدم الناس ,ساعدهم,أحترمهم,ابذل نفسك عنهم. وعندئذ تجد أن محبة الله قد دخلت تلقائيا إلي قلبك, أعط من قلبك حبا لكل المحتاجين إلي الحب .أعط حبا للأطفال,للعجزة والمسنين,للأيتام للمحتاجين والفقراء,للمعوقين,للذين ليس لهم أحد يذكرهم...اخدمهم جميعا,وستجد أن محبة الله قد دخلت قلبك بقوة وستجد أيضا أنك ترفع قلبك إلي الله ليساعدك علي خدمتهم وأنك تشكره إذ قدم لك احتياجاتهم...
تحبهم,لأنهم أولاده وشعبه.وتحبه لأنه يحبهم ويساعدك علي محبتهم:
وتجد أن محبة الله في قلبك ترتبط أيضا بمحبة الناس.إن أحببته تحبهم.وإن أحببتهم تحبه...
لذلك فإن السيد المسيح حينما قال إن الوصية الأولي هي محبة الله,قالوالثانية مثلها:تحب قريبك كنفسكمت22:39تأمل في كلمةمثلهاوكلمةكنفسك...
لذلك فإن الخدمة توصل إلي محبة الله:
الخدمة توصلك إلي محبة الله,ومحبة الله ترسلك إلي الخدمة.بشرط إنها لا تكون خدمة روتينية ولا مجرد نشاط إنما خدمة ممتزجة بالحب.. الحب هو الذي يدفع إليها,والحب يكون من نتائجها.. فأنت تخدم الناس لأنك تحبهم,ولأن الله يحبهم وتخدمهم لأنك تحب ملكوت الله,وتحب لهم أن يدخلوا هذا الملكوت,وأن يحبوا الله الذي تحبه والذي يحبك.
انظر ماذا قال السيد المسيح عن تلاميذه للآب عرفتهم اسمك,وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به,وأكون أنا فيهميو17:26.هناك وسائل أخري توصلك إلي محبة الله:
مما يربطك بمحبة الله أيضا:وسائط النعمة:
إن الله قد دبر لنا وسائط كثيرة تساعدنا علي محبته,منها الصلاة وقراءة الكتاب المقدس,واجتماعات الكنيسة وألحانها وطقوسها وأسرارها المقدسة,وبخاصة الاعتراف والتناول وكذلك القراءة الروحية,والتأمل,وزيارة الأماكن المقدسة,والإرشاد الروحي.
فلكي تصل إلي محبة الله,عليك أن تهتم بكل هذه الوسائط,لأن بعدك عنها يسبب لك الفتور ولايعود الله يشغل فكرك.ولقد أصدرت لك كتابا عن الوسائط الروحيةأرجو أن يفيدك في هذا المجال.
مما يقودك إلي محبة الله أيضا:التفكير في الأبدية:
لأن الإنسان إذا شعر بفناء هذا العالم,وبأنه سوف يبيد وشهوته معه1يو2:17وأنه كله باطل وقبض الريحجا1ولابد للإنسان أن يقف يوما للدينونة أمام كرسي الله العادل,الذي سيجازي كل واحد حسب أعمالهمت16:27وحسب كل ما فعله بالجسد خيرا كان أم شرا2كو5:10...فحينئذ يستيقظ ضمير الإنسان,ويبدأ أن يستعد لملاقاة الله.ويحاول أن يكون علاقة مع الله,ويعتذر عن خطاياه,ويدخل في محبة الله مادام سيلاقيه في الأبدية,وبأي وجه سيلقاه؟
لذلك فالكنيسة المقدسة ذكرتنا بالدينونة والمجيء الثاني في صلرات الغروب والنوم ونصف الليل:
لكي نستعد للقاء الله,بالتوبة والندم علي خطايانا,وبمخافة الله التي توصلنا إلي محبة الله.ليتك تصلي هذه الصلوات,وبخاصة التحاليل.وثق إنها ستعمل في قلبك عملا.
وما أكثر القديسين الذين كان تذكار الموت والدينونة يقودهم إلي الالتصاق بالله بالأكثر.
جريدة وطنى