البر الذاتي, والتبريرات
بقلم: البابا شنودة الثالث
مقال البابا 28 - 2 - 2010
البر الذاتي هو اعتقاد الإنسان في ذاته انه بار, وأنه لم يخطئ ولايخطئ كما لو كان معصوما من الخطأ!! أما التبريرات فمعناها أن الإنسان يخطئ, ولايريد أن يتحمل مسئولية أخطائه. ويقدم الأمر كأنه شيء طبيعي جدا, هناك أسباب دعت إليه! كأن لاخطأ في الأمر.
وهذه التبريرات لاتساعد أبدا علي التوبة. فهي محاولة لتغطية الخطية, وليست توبة عن الخطية.
وإدعاء وجود مبرر للخطية يساعد علي أن يستمر المخطئ, في أخطائه وعذره معه!
إنسان يغطي الخطية بعذر, او يغطيها بإكذوبة. ويريد بهذا التبرير ان يخرج من الخطية سليما بلا عيب, بلا لوم, يلتف بثوب من المجد الباطل, ليظهر امام الناس بريئا في كل شيء.. بينما الخطية هي الخطية مهما كانت التبريرات التي تلتحف بها.. صدق الذي قال: إن طريق جهنم مفروش بالأعذار والتبريرات والحجج.. والإنسان الذي يجد تبريرا لأخطائه, يستمر فيها وربما يجعلها سياسة ثابتة له.
مثل هذا الانسان لايستطيع ان يعترف بخطيئته, مادام أسلوب التبرير ممكنا. وقد تكون الخطية واضحة جدا لاتقبل النقاش. ومع ذلك لامانع من ان يقدم عنها تبريرات وأعذارا!
ويريد الإنسان بهذه التبريرات أن يكون بلا لوم امام الناس, وربما امام نفسه ايضا. وذلك لكي يريح ضميره إذا لامه علي مايفعل. ولكن حتي لو قبل الناس منه مايقدمه من اعذار, وحتي لو استطاع ذلك الشخص ان يخدع نفسه ويخدر ضميره ليقبل تلك التبريرات, أتري الله يقبلها؟! الله العالم بكل شيء, والذي امامه ينسد كل فم! إن التبريرات لاتصلح مع الله. وإنما الذي يصلح معه هو الاعتراف بالخطية.
رفض التبريرات وتقديم الأعذار يكون هو الطريق الي التوبة, كما يدل علي تواضع القلب المعترف بخطاياه. أما غير المتواضع وغير التائب, فإنه يحاول ان يجد تبريرا عند ارتكاب الخطية وبعد ارتكابها ايضا, وفي الحديث عنها بصفة عامة ويؤسفني ان اقول ان توالي الاعذار والتبريرات عند مثل هذا الشخص, يجعل المبادئ والقيم عنده تهتز... ومادام كل خطأ له ما يغطيه بالأعذار, إذن لاتجد قيما او مثلا يسير علي منهاجها, أو روحيات يتمسك بها وسنحاول هنا ان نذكر بعض الاعذار العامة التي يعتذر بها البعض اذا لم يسلكوا حسنا في حياتهم:
يقولون كل الناس هكذا( الكل كده) فهل نشذ نحن عن المجتمع؟! وكأنهم بهذا يعتبرون ان الخطأ إذا صار عاما, لم يعد خطأ يلام عليه الفرد! كأن نقائص المجتمع كله لم تعد نقائص.
أو صار الخطأ العام مبررا لخطأ الفرد!! كلا, فالخطأ هو خطأ, عاما كان او خاصا. ومن اجل ذلك يقوم المصلحون الاجتماعيون باصلاح اخطاء المجتمع. وكذلك يهاجمها الرعاة ورجال الدين والكتاب وأصحاب المبادئ.
إن أبانا نوح كان يعيش ببره في عصر كله فاسد.. وبلغ من فساد الناس في تلك الأيام ان الله اغرق العالم كله بالطوفان. فهل كان ذلك الفساد الذي عم العالم كله, عذرا لأبينا نوح ان يسلك مثلهم هو وأسرته, ويقول:( كل العالم كده), فهل نشذ عن المجتمع! ام انه سلك بكماله امام الله والناس, وكان لابد له ان يشذ عن ذلك المجتمع الفاسد. وهكذا نجاه الله وأسرته من الطوفان.
وهكذا كان لوط أيضا في ارض سدوم الفاسدة التي حرقها الله بالنار.
إن الأبرار يحتفظون بمبادئهم السامية, مهما كان الخطأ عاما, أو منتشرا. فهم لايتبعون المثل القائل: ان كنت في بلد يعبدون فيه العجل, حش وإرمي له! كلا, فالخطأ العام يجعل الأبرار اكثر حرصا ودقة. فهم يطيعون ضمائرهم, ولاينجرفون مع التيار.
عش بروحياتك السليمة, حتي لو عشت بها وحدك. كما قلنا في الشعر:
سأطيع الله حتي
لو أطعت الله وحدي
لذلك ان لم تستطع ان تؤثر علي المجتمع بروحياتك, فعلي الأقل لاتندمج في الأخطاء العامة وتخضع لها, ولاتجعلها تؤثر عليك... لماذا تأخذ موقفا ضعيفا امام الذين يعيرونك بتدينك؟! ان القلب القوي يحتمل كل شيء من أجل الثبات في مبادئه.
هناك من يعتذر عن عدم سلوكه في حياة الفضيلة, بأن هناك عوائق تمنعه من ذلك... وهذا الاعتذار لايليق بالأقوياء المحتفظين بنقاوة قلوبهم. بل هم ينتصرون علي العوائق. لأن محبة الخير التي في قلوبهم, هي أقوي من العوائق الخارجية. ومادامت لهم النية الخيرة والإرادة القوية, حينئذ يجدون الوسائل الكثيرة للخير الذي يريدون ان يفعلوه. يكفي انك تريد الخير, وحينئذ تجد نعمة الله تفتح امامك أبوابا كانت مغلقة. فلا تفكر إذا في العوائق إنما فكر جيدا كيف تنتصر عليها. أم ان دوافعك الداخلية ضعيفة, لذلك تعتذر بالعوائق؟! إن أبانا إبراهيم لم يجد عائقا امامه في تقديم ابنه ذبيحة لله, لأن قلبه كان قويا بالإيمان. والشهداء لم يعتذروا بالعذابات التي يتعرضون لها او كافة الضغوط الخارجية او الإغراءات. بل بقلوبهم القوية انتصروا.
وكل الأبرار الأنقياء القلوب, لايعترفون بالإغراءات الخارجية ولايخضعون لها, ولا يتخذونها مبررا لإرتكاب الخطية. ومثال ذلك يوسف الصديق الذي ضغطت عليه الخطية من الخارج وبقلبة النقي انتصر عليها.
يعتذر البعض بعبارة:( أنا ضعيف, والوصية الإلهية صعبة!), وهنا عذر غير مقبول لأنه لو كانت الوصية صعبة وغير ممكنة, ماكان الله يأمر بها. إن الله لايأمرنا أبدا بالمستحيل.
إن باب الأعذار واسع قد يدخل فيه الصدق والكذب.. والانسان غير التائب, علي الرغم من أخطائه, فإن نفسه تكون جميلة في عينيه يناقش في موضوع برها ويجادل ويجد له اعذارا.