mifa20014 قلب المنتدى الطيب
عدد الرسائل : 31565 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 08/05/2007
| موضوع: حياة الفضيلة والبر (5) الإثنين 12 يوليو 2010 - 14:54 | |
| حياة الفضيلة والبر (5) الروحانية والمقارنة بالمستوي النفساني والمستوي الجسداني
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث وطني 11-7-2010
الروحانية هي أولا السلوك بالروح. وقد ورد الكثير عن هذا الأمر في رسالة بولس الرسول إلي رومية إذ قال لا شئ من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع, السالكين ليس حسب الجسد, بل حسب الروح (رو 8:1). وقال أيضا فإن الذين هم حسب الجسد, فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح, فبما للروح يهتمون. لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله... فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله. إذن الروحانية هنا هي ارتفاع عن مستوي السلوك بالجسد. هنا أحب أن أقول لكم إن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر: الروح والنفس والجسد. وقد وضح القديس بولس هذا الأمر, حينما قال في رسالته الأولي إلي أهل تسالونيكي إله السلام نفسه يقدسكم بالتمام. ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم... (1 تس 5:23). إذن الإنسان يتكون من روح ونفس وجسد. وهنا نقول إن الإنسان الروحاني لا يسلك حسب الجسد ولا حسب النفس. السلوك حسب الجسد واضح جدا للجميع... كالإنسان الذي يسلك في شهوات الجسد كشهوة الزني, أو شهوة الطعام أو شهوة الملبس... إلخ. ولكن ماذا إذن عن السلوك النفساني؟ نقول أولا: لقد حارب الآباء الرسل السلوك النفساني وأدانوه. فالقديس يهوذا الرسول يقول في رسالته إنه في الزمان الأخير سيكن قوم مستهزئون سالكون بحسب شهوات فجورهم. هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم لا روح لهم (يه 18:19). لاحظوا إذن قوله: نفسانيون, لا روح لهم. هؤلاء سالكون بحسب شهوات فجورهم. ولعله يفهم من هذا أن شهوات الجسد تقودها عوامل نفسانية خاطئة, بعيدة عن اتجاه الروح... والقديس يعقوب الرسول يفرق بين الحكمة الإلهية, وحكمة أخري يقول عنها إنها ليست نازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية وإنها تسبب الغيرة المرة والتحزب والتشويش وكل أمر ردئ (يع 3:14- 16)... لاحظوا إن وصف نفسانية ارتبط أيضا بعبارة أرضية شيطانية... ما أصعب هذا الوصف... ربما هذا التفصيل غير مستخدم كثيرا. فالناس غالبا ما يتحدثون فقط عن السلوك الروحاني, والسلوك الجسدي. ونادرا ما يتحدثون عن السلوك النفساني الممقوت... الإنسان النفساني تقوده النفس وغرائز النفس وعقلية النفس ومشاعرها بدون روح. وهذا أمر فيه أخطاء وخطايا كما سنري. والإنسان الجسداني تقوده شهوات الجسد ورغباته. فماذا إ ذن عن الإنسان الروحاني؟ الإنسان الروحاني يتصف بصفتين وهما: 1- ينتصر علي الجسد وعلي النفس, ويسلك حسب الروح. 2- الصفة الثانية أن روحه تخضع لروح الله... يوجد إنسان في داخله صراع بين شهوات الجسد وشهوات الروح (غل 5:17,16). أما الروحاني فقد خضع فيه الجسد تماما للروح. ولكن هذا وحده لا يكفي, لأن أخطاء الإنسان ليس سببها فقط شهوات الجسد, فهو قد يخطئ بروحه وحدها... ولا تتعجبوا من هذا فالشيطان روح, ومع ذلك فقط أخطأ, فهو روح متمردة وروح شريرة. والكتاب يتحدث كثيرا عن الأرواح الشريرة. والسيد المسيح أعطي تلاميذه سلطانا علي إخراج الأرواح الشريرة, أي أرواح الشياطين. إذن ممكن أن الأرواح تخطئ, وممكن أن الإنسان يخطئ بروحه... أما الإنسان الروحي, فإنه لا يخطئ بروحه, لأن روحه خاضعة تماما لروح الله... إذن الإنسان الروحي: نفسه وجسده يخضعان لروحه, وروحه تخضع لروح الله. ولذلك نقرأ في الرسالة إلي رومية عبارة جميلة جدا وهي لأن كل الذين ينقادون بروح الله, فأولئك هم أولاد الله (رو 8:14). هؤلاء هم الروحانيون, الخاضعون لروح الله, الذين يقودهم روح الله, وهم طائعون لقيادة روح الله, ولكي تنقاد بروح الله ينبغي أن يكون روح الله ساكنا فيك. من أجل هذا, جعل الله روحه يسكن فينا. فقال الكتاب أما تعلمون أنكم هيكل الله, وروح الله ساكن فيكم (1كو3:16). وروح الله الذي فيك يعطي روحك معرفة, ويعطيها إرشادا. يقودها في الطريق... يوبخها علي خطية, ويحثها علي الخير, ويذكرها بكل ما قاله الرب ويعلمها كل شئ (يو 14:26). لذلك الكنيسة تمنحك المسحة المقدسة, مسحة الروح. وعن هذه المسحة تحدث القديس يوحنا الحبيب مرتين في رسالته الأولي, فقال وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ. وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه, ثابتة فيكم (1يو2:27,20). ونحن ننال هذه المسحة في سر الميرون المقدس, وكانوا ينالونها في بداية العصر الرسولي بوضع اليد. إذن تعتمد علي قيادة روح الله لك, وليس علي الحكمة البشرية وحدها... الحكمة البشرية وحدها هي جهالة عند الله (1كو3:9). وقد شرح القديس بولس الرسول هذا الأمر بعمق شديد وتفصيل, في رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس, في الإصحاح الثاني... أمثلة للمستويات الثلاثة: الشهوة هناك شهوات للجسد والنفس والروح. شهوة الجسد هي الخطية كشهوة الحواس, وشهوة الزني, وشهوة البطن. وشهوة النفس أحيانا تكون نوعا من الذات وحب النفس. ولنضرب مثالا في كل ذلك بسليمان الحكيم. لقد سلك في هذه الشهوات فقال مهما اشتهته عيناي, لم أمنعه عنهما (جا2:10). وشرح تفاصيل ذلك فقال بنيت لنفسي بيوتا. غرست لنفسي كروما. عملت لنفسي جنات وفراديس, وغرست فيها أشجارا من كل نوع ثمر. عملت لنفسي برك مياه. قنيت عبيدا وجواري... جمعت لنفسي فضة وذهبا... اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات (جا 2:4-8). هنا شهوة الجسد, وشهوة العيون, وشهوات باقي الحواس. هذه هي شهوة الجسد, ووجدها باطلة وقبض الريح. وماذا إذن عن شهوات النفس؟ يقول لم أمنع قلبي من كل فرح. لأن قلبي فرح, بكل تعبي, وهذا كان نصيبي من كل تعبي...... وهنا نقول: فرح سليمان بكل غناه وشهوات جسده كان فرحا نفسانيا, ولم يكن فرحا روحيا علي الإطلاق. فما هو الفرح الروحي؟ الفرح الفرح النفساني, هو فرح بشهوات الجسد, كما فرح سليمان بكل متعه وغناه. أما فرح الروح فهو الذي يقول عنه الكتاب: افرحوا في الرب كل حين... (في 4:4). تقرأ عن فرح سليمان في (جا2) فلا تجد اسم الرب إطلاقا...! إنه فرح بالجنات والفراديس, والشجر, والبقر, والذهب, والفضة, والسيدات والمغنيات... وليس بروحه وصلة روحه بالله. إنه مجرد فرح نفساني, باطل وقبض الريح... لهذا نحن نفرق في أمور الفرح بين تعبيرات عديدة مثل اللذة (وهي خاصة بالجسد والحواس), والسرور, والفرح (وبعضها خاص بالنفس والآخر بالروح). الفرح بالرب هو فرح روحاني: تفرح لأنك عرفت الله, تفرح لأن لك صلة بالله وعشرة, تفرح بسكني روح الله فيك وإرشاده لك. تفرح لأنك نلت مذاقة الملكوت, تفرح لانتصار روحك التي حررها الله (يو8:36). تفرح لأنك استطعت أن توصل الناس إلي الله. تلاميذ المسيح وقعوا أحيانا في الفرح النفساني إنه فرح ليس من نوع فرح سليمان, بل هو نوع أرقي منه, ولكنه مرفوض أيضا. رجع السبعون إلي الرب فرحين, بعد إرساليتهم التبشرية, وقالوا له حتي الشياطين يارب تخضع لنا باسمك (لو 10:17). فوبخهم الرب علي هذا الفرح النفساني, وقال لهم لا تفرحوا بهذا, إن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحري أن اسماءكم قد كتبت في السموات (لو 10:20). وهكذا فرق الرب بين نوعين من الفرح: نوع وبخ عليه, ونوع دعا إليه. مثال أخر وهو فرح البعض بموهبة الألسن وما يشابهها. إنه فرح بشئ يمجده أمام الناس ويرفع شأنه!! يريد أن يتعظم علي حساب مواهب الله... وكان الأفضل أن يهتم بنقاوةقلبه وامتلاء القلب بثمار الروح. وفي ذلك قال الرسول لو كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة, وليس لي محبة, فقد صرت نحاسا يطن وصنجا يرن. (1كو 13). إذن افرح بثمار الروح, أكثر مما تفرح بالمواهب. ثمار الروح التي هي محبة وفرح وسلام, وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غل 5:22, 23). وهذه توصلك إلي الملكوت بينما المواهب والآيات والرؤي ربما لا توصل...! يقول السيدالرب: كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يارب يارب, أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين, وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم (متي 7:23,22). قيل عن القديس يوحنا المعمدان, إنه لم يصنع آية واحدة (يو 10:41). ومع ذلك شهد له الرب إنه أعظم من ولدته النساء (يو11:11). وفي التبشير بمولده قيل عنه إنه من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس (لو 1:15). فلا تفرح إذن بالآيات. القديس بولس الرسول خاف من كثرة الرؤي والاستعلانات. لأنها خطيرة, ربما ترفع قلبه. ولذلك قال ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات, أعطيت شوكة في الجسد, ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع (2كو 12:7). وصلي ثلاث مرات أن يرفع الله عنه هذه الضربة, ولم يقبل صلاته في ذلك... أم يعقوب ويوحنا الرسولين وقعت في الفرح النفساني الباطل. فجاءت إلي السيد الرب تطلب إليه أن يجلس أحد ابنيها عن يمينه, والآخر عن يساره في ملكوته (متي 20:21,20). ولكن الرب لم يشأ أن يكون لها فرح بالعظمة, بل أن يكون لابنيها فرح بالألم, فقال لهما لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها, وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها. (متي 20:22). واستجاب الرب لطلبة هذه القديسة, فكان ابنها أول الشهداء من الرسل الاثني عشر (أع 12:2). وجلس مع الرب عن يمينه. حقا إن الفرح بالألم هو جزء من الفرح الروحي ولذلك بعدما سجنوا التلاميذ وجلدوهم, يقول الكتاب عنهم وأما هم فذهبوا فرحين, لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه (أع 5:41). ويقول القديس بولس الرسول لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات لأجل المسيح (2كو 12:10)... وهكذا كان سرور الشهداء والمعترفين القديسين بملاقاة العذابات والموت. إنه فرح روحاني. إن الذي يفرح بأن ينال موهبة المعجزات والآيات, هو ما يزال في مستوي الفرح النفساني. أما الفرح الروحاني, فهو الفرح بالرب وليس بمواهبه, وما تجلبه المواهب من عظة... ولعل من الأمثلة البارزة تلك القديسة العظيمة التي ذبحوا أبناءها الخمسة علي حجرها وهي تشجعهم علي الاستشهاد, لكي يفرحوا مع الرب في ملكوته. وهي أيضا فرحت باستشهادهم... إن المستوي الروحي, والمستوي النفساني, والمستوي الجسداني يتمكن تطبيقها علي كثير من المشاعر والأعمال وعلي كثير من اتجاهات البشر وأعمالهم, ولكننا ذكرنا ما ذكرناه كمثال... والأمثلة كثيرة...
| |
|