Ghada فنانـــــة المنتــــدى
عدد الرسائل : 16804 تاريخ التسجيل : 21/04/2007
| موضوع: مقال البابا بجريدة وطنى 19-12-2010 السبت 18 ديسمبر 2010 - 16:35 | |
| حياة الفضيلة والبر -28- الخطيئة الكبري في حياتك بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث
جريدة وطنى 19-12-2010 كثيرا ما يخطئ الإنسان, وينسي ما قد ارتكبه, ولكن تقف خطية معينة أمامه, لا يستطيع أن ينساها..
مثال ذلك داود النبي: إنه يقول للرب في صلاته: إن كنت للآثام راصدا يارب, يارب من يثبت؟! (مز 130: 3). لا تدخل في المحاكمة مع عبدك, فإنه لن يتزكي قدامك أي حي (مز 143: 2). خطايا شبابي وجهالاتي لا تذكر (مز 25: 6).
كل هذه يطلب من الله ألا يذكرها لأنها كثيرة وجهالات ولن يتزكي منها أحد. وهي مثل السهوات التي يقول عنها السهوات (الهفوات) من يشعر بها. من الخطايا المستترة, يارب ابرئني (مز 19: 12).
ومع كل ذلك هناك خطية يقول عنها: خطيتي أمامي في كل حين (مز 51: 3).
لقد تركت عمقا معينا في مشاعره وعمقا آخر في ذاكرته, بحيث لم يستطع أن ينساها هي التي هزته هزا فقال: تعبت في تنهدي, أعوم في كل ليلة سريري, وبدموعي أبل فراشي (مز6).
كذلك شمشون: لاشك أنه ارتكب خطايا كثيرة, شرحها سفر القضاة. ولكن خطية كبري هزت كيانه كله. وهي أنه باح بسره لدليلة, مما أدي إلي كسر نذره, وانتصار أعدائه عليه, وفقأ عينيه, وأخذه أسيرا يجر الطاحون (قض16). هذه الخطية لم ينساها مطلقا..
ومثل داود وشمشون, هناك سليمان.
لقد غرق في الملاذ العالمية إلي أعماقه, ولم يتعب ضميره شئ من ذلك كله (جا2: 9, 10). ثم ارتكب خطيته الكبري التي ذهب فيها وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين, وملكوم رجس العمونيين, وبني مرتفعة لكموش رجس الموآبيين.. ولمولك رجس بني عمون (1مل 11: 5- 7).
هذه ليس فقط سليمان لم ينسها.. بل الله نفسه, لم يتركها له..
وهكذا فرض الله عليه عقوبات وغضب الرب علي سليمان.. (1مل11: 9-13) ونفذ الله وعيده فيه, حينما قال عنه: إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس, وبضربات بني آدم (2صم 7: 14). وهكذا أقام الرب عليه خصوما لتأديبه: هدد الأدومي, ورزون بن اليداع, ويربعام بن نباط.. (1مل 11: 14, 23, 26).
مثال ذلك فتاة تخطئ في علاقتها بشباب..
ويمر ذلك عليها سهلا, تفيق من علاقة لتدخل في أخري, بضمير نائم, ثم تصحو منزعجة علي خطية كبري, تفقد فيها بكارتها, وقد تحبل. وتجد نفسها منساقة إلي عملية إجهاض لتقتل جنينا. والعملية تحتاج إلي مال, كيف تحصل عليه.. ويحتاج الأمر كله إلي مجموعة من الأكاذيب لتغطيته, فيحفر في عقلها وفي أحاسيسها وقائع لا يمكن أن تنسي!!
إنها كالخطأ الذي يقع فيه الإنسان, فيضيع مستقبله كله.
كطالب يضبط في غش, ويرفت سنتين من الكلية, وتضيع سمعته, وتلاحقه أنظار الناس وألسنتهم.. أو شاب آخر يقع في إدمان المخدرات, وتكون هي الخطية الكبري في حياته, تحطم نفسيته وأعصابه وسمعته, سواء شفي من الإدمان أو لم يشف.
وأصعب من هذين, إنسان يصاب بمرض الإيدز الذي يحطم صحته وسمعته, ويجره نحو الموت جرا. ويصرخ في داخله: كيف سقطت؟! وكيف ضعت؟! إنها غلطة العمر..
وغلطة البشرية كلها, هي خطية آدم وحواء. بكل ما جلبته من نتائج خطيرة استمرت دهورا.
خطية فسدت بها الطبيعة البشرية كلها. وكان يلزم لعلاجها التجسد والفداء.. وبلغ من خطورتها أن ترك الله آثارها باقية حتي الآن. بقوله لآدم: بعرق جبينك تأكل خبزا, حتي تعود إلي الأرض التي أخذت منها, لأنك تراب وإلي التراب تعود. وبقوله لحواء: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك, بالوجع تلدين أولادا (تك3: 16- 19)..
واستمرت آثار هذه الخطية, مهما حاول الإنسان أن يتمرد علي ذلك..
هناك خطايا تسببت في هلاك مقترفيها.
وماتوا في خطاياهم هالكين: مثل خطية يهوذا. ولاشك أن يهوذا كانت له خطايا كثيرة, ومنها أنه: كان سارقا. وكان الصندوق عنده, وكان يحمل ما يلقي فيه (يو 12: 6).
ولكن خيانته لسيده, كانت الخطية الكبري التي لم يستطع أن يحتملها, فمضي وخنق نفسه (مت 27: 5).
كذلك خطية أولاد عالي الكاهن التي قال عنها الرب: لا يكفر عن شر بيت عالي بذبيحة أو بتقدمة إلي الأبد (1صم 3: 14).. وبنفس الغضب حكم الرب علي عالي نفسه: من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قد أوجبوا به اللعنة علي أنفسهم, ولم يردعهم (1صم 13: 13).
أيضا خطية حنانيا وسفيرا, التي استحقا بها الموت مباشرة دون إعطائهما فرصة للتوبة (أع5). وهناك خطايا امتدت آثارها أجيالا طويلة.
مثل لعنة كنعان, للاستهانة بكرامة الأب. ومع أنها حرجت من فم أبينا نوح (تك9: 25). إلا أنها استمرت إلي أيام السيد المسيح نفسه الذي استخدمها في حديثه مع المرأة الكنعانية (مت 15: 26).
ومثل عقوبة الله علي الذين بنوا برج بابل, جزاء لكبريائهم وغرورهم. فقال الرب: نبلبل ألسنتهم (تك11: 7).
ولا تزال بلبلة الألسنة قائمة إلي يومنا هذا..
هناك خطايا عديدة لم تسجل في الكتاب المقدس, الذي قال بصيغة إجمالية: الكل قد زاغوا معا وفسدوا. ليس من يعمل صلاحا, ليس ولا واحد (مز14: 3).
ومع ذلك سجل الكتاب خطايا معينة. وسجل معها أيضا عقوبات لها..
سجل خطايا الزنا الجماعي, الذي أدي إلي الطوفان (تك6), وسجل الشذوذ الجنسي الذي أدي إلي حرق سادوم (تك19). وسجل محاولة اغتصاب سر الكهنوت التي وقع فيها قورح وداثان وأبيرام, ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم (عد16). وسجل خيانة أبشالوم لأبيه داود (1صم 16- 18) وسجل إنكار بطرس (مت 26) ومسامحة الرب له (يو21). وسجل طمع آخاب في حقل نابوت اليزرعيلي (1مل21). وسجل عبادة الأصنام علي يد يربعام بن ناباط, وعلي يد آخاب وغيرهما (1مل12) وسجل خطايا أخري لا تنسي, حتي للأنبياء..
إن شاول الطرسوسي لم ينس مطلقا اضطهاده للكنيسة.
علي الرغم من أنه فعل ذلك بجهل قبل إيمانه بالمسيح, وعلي الرغم من توبته واختياره رسولا, وصنع عجائب وآيات علي يديه, وتعبه الكثير في نشر رسالة الإنجيل.. إلا أننا نراه يقول عن نفسه: أنا الذي كنت قبلا مجدفا ومضطهدا ومفتريا. ولكنني رحمت لأنني فعلت ذلك بجهل في عدم إيمان (1تي 1: 13). ويقول عن ظهور السيد المسيح بعد قيامته: وآخر الكل, كأنه للسقط ظهر لي أنا, لأني أصغر الرسل. أنا الذي لست أهلا لأن أدعي رسولا, لأني اضطهدت كنيسة الله (1كو 15: 8, 9). إنه لم يستطع مطلقا أن ينسي اضطهاده للكنيسة.
خطورة الخطايا ليست في كثرتها, بل في بشاعتها.
خطية سيمون الساحر. لم تكن في عددها, إذ إنه لم يكررها. لكن خطورتها كانت في بشاعتها, إذ إنه أراد أن يشتري موهبة الله بدراهم (أع8: 18- 30).
كذلك كانت خطية هيرودس الذي قبل من الناس قولهم له: هذا صوت إله, لا صوت إنسان فضربه في حال الملاك الرب, لأنه لم يعط المجد لله, فصار يأكله الدود ومات (أع12: 22, 23).
وخطية بطرس في إنكاره, لم تتكرر. إنما بشاعتها في نوعيتها.
حقا إن الخطايا لا تعد, إنما توزن.
فإذا أضيف إلي بشاعتها تكرارها, يكون الأمر أصعب وأخطر وبخاصة تلك الخطايا التي ترسخ في العقل الباطن, وتتعمق جذورها فيه. وتصبح مصدرا لأحلام وأفكار, وظنون, وشهوات, ويحاول الإنسان أن يتخلص منها فلا يستطيع!.. وقد أصبحت كأنها طبع فيه, أو كأنها طبيعة له, وجزء من تكوين شخصيته.. وعادة تعودها فلصقت به.
وكأنه قد ذاق شيئا فاستطعمه, وما عاد يستغني عنه!!
وهو مستعد أن يتوب عن جميع خطاياه وتركها, ماعدا هذه!!.. هذه التي صارت تجري في دمه, وفي عمق مشاعره وعمق شهواته..
هناك من يذكر خطية, ولا يستطيع أن ينساها, لأنها تتعب ضميره في توبته. لذلك هو يصرخ في داخله, في ألم عميق: كيف وصل بي الحال إلي أن انحدر إلي هذا المستوي؟!
وهناك من يذكر خطيته الكبري, وهو أسير لها, عاجز عن مقاومتها وهذا أصعب..
إنه يحتاج إلي دفعة كبيرة من الخارج, تنقذه من الهوة التي هبط إليها, وتمزق عنه الربط التي تقيد بها..
ويحتاج إلي عمل من النعمة ومن روح الله القدوس, لكي يكره هذه الخطية, ولا يعود فينجذب إليها.
هناك خطايا أخري تتعب الإنسان.
وتهز ضميره هزا متي استيقظ, مثل خطية الارتداد, وخطية التجديف, وخطايا الشك.. نعم الشك الذي يقال عنه إنه من السهل أن يدخل إلي عقل الإنسان, ومن الصعب جدا أن يخرج الشك الذي يفقد به الشخص ما كان له من بساطة الإيمان, ويتوه ذهنه في عقلانيات لا تنتهي هذا إن كان شكا في الله. أما إن كان شكوكا في إنسان, فإنه يفقد الثقة ويعجز عن استرجاعها...
وخطايا أخري لا ينساها الإنسان بسبب نتائجها.
مثل زوج أهان زوجته إهانة كبيرة جدا لم تستطع احتمالها, فتركت بيت الزوجية إلي بيت أبيها. وعجزت كل محاولات المصالحة من أجل عمق ما أحست به المرأة, مما جعلها تفقد محبتها لذلك الزوج, وما أخذت من فكرة عن طباعه ومعاملاته.. وهو نفسه يذكر ذلك الخطأ في ندم, معتبرا أنه الخطية الكبري في حياته الزوجية.. ويزداد الأمر خطورة وعمقا, إن كان قد وصل إلي قضايا ومحاكم..
وقد تصبح الخطية هي الكبري في الحياة, إن كان لا يمكن علاجها..
كراهب مثلا قد تزوج, وفقد نذره ورهبنته وبتوليته وسمعته. وفقد كهنوته أيضا إن كان كاهنا..! ولم يعد باستطاعته أن يسترجع كل هذا.. ثم فقد هذه الزوجة أو اختلف معها, ووجد نفسه في فراغ كامل.. في فراغ روحي وجسدي واجتماعي, وعقيدي أيضا.
من الجائز أن تكون خطية الإنسان الكبري بسبب فيه: كخطية محبة الأخبار مثلا, التي تفقده كل أصدقائه وغير الأصدقاء أيضا.
فهو جوعان أخبارا, يحب أن يعرف الأخبار ويبحث عنها, ويسأل عنها الناس, ويفتش ويسمع ويتسمع, ويستنتج. ويسأل سؤالا محرجا, لكي يعرف منه خبرا, ويتفاوض مع غيره من محبي الأخبار, لكي يعطيهم خبرا مقابل معرفة خبر.
ثم يجد نفسه يحمل كنزا كبيرا من الأخبار يثقل عليه حمله.
فيتحول من جامع أخبار إلي ناقل أخبار.
وتصبح سمعة الناس مضغة في فمه, يلقيها في آذان الناس كعليم ببواطن الأمور, ومتداخل في أسرار الناس.
وقد يسمعها الناس منه, وقد يتهرب البعض خشية أن يسمع ما يؤذيه روحيا. وقد يتحاشاه البعض خشية أن يصبحوا هم أيضا هدفا له ولمحبته للأخبار.. ويجد أن الأخبار قد أبعدت الناس عنه, وأيضا قد أتعبت أفكاره فما عاد يثق بأحد..
وقد يتحول من ناقل للأخبار إلي مؤلف للأخبار!!
أصعب خطية هي التي تلصق بالإنسان, أكثر مما يلصق جلده بلحمه.
كأنها جزء من كيانه, ومن صفات شخصيته. وقد تتحول في حياته إلي مرض نفسي, يتوالد في داخله, وتنشأ عنه أمراض أخري خلقية واجتماعية, صعبة الشفاء..
| |
|