[SIZE=130]بقلم : قداسة البابا شنودة الثالث
ليس الزواج مجرد علاقة اجتماعية أو عاطفية بين رجل وامرأة, وإنما هو أيضا مسئولية.. انه تكوين أسرة ورعاية لاطفال, يربون في خوف الله, وينشأون تنشئة صالحة, لتكوين مجتمع صالح ووطن متماسك, فهو إذن أمانة توضع في أيدي الأزواج والزوجات لإعداد الجيل المقبل. لذلك ينبغي أن تكون سن الزواج هي سن النضوج ليس فقط النضوج الجنسي, وإنما ايضا النضوج الفكري والاجتماعي وسن القدرة علي تحمل المسئوليات. فهذان الخطيبان سيصيران بعد زواجهما أبوين لطفل أو أطفال يتحملان مسئولية تربيتهم, فيجب ان يكونا في سن النضوج التي تسمح بتحمل مسئولية تربية الاطفال.. كما ستكون لهما أعباء اجتماعية, ومسئوليات عائلية ومالية واجتماعية, يلزمهما الدراية بتصريف أمورها.
** إن النضوج هو الذي يساعد علي حسن الاختيار قبل الزواج, وعلي استمرار الحياة الزوجية هادئة سليمة, والتغلب علي ما يعترضها من مشاكل.. والنضوج هو الذي يساعد كلا من الزوجين علي تحمل مسئولياته بنفسه, دون الحاجة إلي استشارة والديه, والسير حسب توجيهاتهما, وما يتبع ذلك أحيانا من مشاكل عائلية نتيجة لتدخل الصهر أو الحماة في شئون العائلة الجديدة الصغيرة. ان السن الصغيرة في الزواج هي عرضة للتقلب وسرعة الانفعال, وعرضة للتصرفات الطائشة, وما أكثر ما تشتد فيها الخلافات الزوجية انها سن تحتاج إلي رعاية وليست سنا تقدر علي تحمل المسئوليات, وعلي تدبير شئون الاسرة بروح الابوة أو الامومة وعلي تفهم الحياة الجديدة وتفهم العلاقات مع الاولاد ومع العائلات المجاورة ومع الاقارب.
والاسرة المثالية ينبغي أن تبني علي أساس من التوافق, وكما يقول البعض ان الزواج عبارة عن نصف يبحث عن نصفه الآخر, فالزوجان وهما يعيشان معا في بيت واحد, وفي حياة مشتركة طول العمر ينبغي أن يكون التوافق بينهما تاما, انهما مثل جوادين يجران عربة واحدة, ولايمكنهما ذلك إلا اذا كان سيرهما في اتجاه واحد, وبسرعة واحدة, وبقوة متكافئة.
يسيران معا, ويقفان معا, ويتجهان نحو هدف واحد, ولايضغط أحدهما علي غيره, وقديما قال المثل: من شروط المرافقة الموافقة ينبغي أن يوجد بينهما توافق في الفهم الديني, وفي الفكر وفي المباديء والتقاليد وفي طريقة الحياة.. لانه كيف يمكن ان يرتبط الاثنان بحياة واحدة إن لم يوجد هذا التوافق؟!
وكيف يسلك الاثنان في المجتمع, بل في محيط الاسرة إن كان كل منهما له طريقه وله طريقته؟ كما ان الاختلاف بين الزوجين يكون له تأثيره علي الاولاد.. إذ يحتار الابن في أي طريق يسلك وبأية مثالية يقتضي وأمامه متناقضات في حياة والديه! وينبغي أن يوجد توافق في الطباع أيضا, إذ كيف يمكن ان يعيش طرف جاد جدا, مع طرف مرح جدا؟! أو كيف يعيش شخص مدقق جدا, مع آخر في منتهي التساهل والتسامح والتهاون؟ وكيف يعيشان معا إن كان أحدهما يميل إلي الهدوء الشديد, والآخر يميل إلي اللهو والصخب وكثرة الكلام؟! والمفروض أن يكون الاثنان واحدا علي قدر الإمكان.
وهنا نعرض لموقف الوالدين في خطبة ابنتهما أو ابنهما.. ان وظيفة الوالدين تكمن في العرض وفي الارشاد.. ولايمكن ان تصل إلي الفرض أو الارغام, من حقهما ان يرفضا زوجا لايجدانه مناسبا ولكن ليس من حقهما ان يفرضا آخر, وحتي في الرفض ينبغي أن يكون ذلك علي أسس سليمة وأسباب تستحق ذلك., ليس لهما ان يغيظا أولادهم لئلا يفشلوا.
بعض الآباء يفرضون خطيبا عن طريق العنف والسيطرة أو عن طريق الحزن والغضب والمرض وإرغام الابن او الابنة علي القبول حرصا علي صحة أحد الوالدين( كأن يقال للابن: أبوك سيصاب بالسكر أو أمك ستصاب بالضغط أو سقتضي علي أحد والديك برفضك) أو قد يفرض الابوان خطيبا علي ابنتهما عن طريق الشك في أخلاقها إذ يقولان لها: إن رفضك للخطيب الحالي يدل علي علاقتك بشخص آخر! أو قد يفرضان شخصا عن طريق الإلحاح المستمر, ورفض باقي العروض أو قد يفرض الابوان أحد أقربائهما أو أصدقائهما أو شخصا ثريا أو له وظيفة مرموقة.
ولكن فليتذكر الابوان أنهما لايختاران ما يناسبهما هما: وإنما ما يناسب الابن او الابنة, فالزواج هو حياة الذي سيتزوج وليس حياة أحد الابوين الذي يختار وكل أنواع الفرض لايمكن ان تنتج زواجا ناجحا فالزواج الناجح هو الذي يبني علي التوافق والرضا والحب.
** علي أنه علي الخطيبين أن يعرفا ان فترة الخطبة هي فترة تعارف, وفترة ود وصداقة, وفترة إعداد للزواج, ومن الخطأ أن يفهم البعض ان الإعداد للزواج هو مجرد الإعداد المادي, من حيث تجهيز الأثاثات والبيت المناسب والملابس, أو يدخل في هذا الإعداد اتفاقات مالية وانشغالات تلهيهما عن عنصر التوافق, بينما الإعداد السليم للزواج في فترة الخطبة هو اعداد الخطيبين لكي يصيرا فكرا واحد, وقلبا واحدا واتجاها واحدا, ولايمكن ان يتم ذلك إلا اذا كانت فترة الخطبة يتعارف فيها كل من الخطيبين علي الآخر, ويفهمه ويتفاهم معه ويتأكد من توافق طبعيهما فيجب علي كل من الخطيبين ان يكون مفتوح العينين ذكيا مدركا لاهمية معرفة من سيشاركه الحياة كلها. وفترة الخطبة ليست فترة تمثيل يحاول فيها كل من الخطيبين أن يبدو أمام الآخر في صورة مثالية غير حقيقتها, سرعان ما تنكشف بعد الزواج وتبدو الخدعة فيتصدع الزواج.
وفترة الخطبة ليست فترة عواطف سطحية تلهيهما عن معرفة جوهر كل منهما, كما ان هذه العواطف ينبغي أن تكون لها حدود لاتتجاوزها, فالخطيبة التي تبيح لخطيبها ان ينال منها ما لا يجوز له, يحدث أحيانا أنه يفقد الثقة في عفتها بعد الزواج, وقد يؤول الامر إلي فسخ الخطبة وينتهي كل شيء فلتكن إذن حريصة جدا, وتدرك الفارق العظيم بين الحب والشهوة.
نقلا عن جريدة الأهرام [/SIZE]